وقيل : المراد هو التقوى من كلّ الوجوه.
قال الجبّائيّ (١) : هذا يدلّ على أنّه تعالى أراد التّقوى من الكلّ ، سواء كان في المعلوم أنهم يتّقون أو لا يتّقون بخلاف قول المجبرة ، وقد سبق جوابه.
فإن قيل «لعلّ» للتّرجّي ، وهو في حقّ الله تعالى محال ، فجوابه ما سبق في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة : ٢١].
قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ)(١٨٠)
قال القرطبيّ (٢) في الكلام تقدير واو العطف ، أي : «و (كُتِبَ عَلَيْكُمْ) ، فلما طال الكلام ، سقطت الواو ، ومثله في بعض الأقوال : (لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى) [الليل : ١٥ ، ١٦] ، أي : والذي تولّى فحذف.
وقوله : «كتب» مبنيّ للمفعول ، وحذف الفاعل للعلم به ، وهو الله تعالى ، وللاختصار.
وفي القائم مقام الفاعل ثلاثة أوجه :
أحدها : أن يكون الوصيّة ، أي : «كتب عليكم الوصيّة» وجاز تذكير الفعل لوجهين :
أحدها : كون القائم مقام الفاعل مؤنّثا مجازيا.
والثاني : الفصل بينه وبين مرفوعه.
والثاني : أنّه الإيصاء المدلول عليه بقوله : (الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ) أي : كتب هو أي : الإيصاء ، وكذلك ذكر الضّمير في قوله : (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ) [البقرة : ١٨١] وأيضا : أنّه ذكر الفعل ، وفصل بين الفعل والوصيّة ؛ لأنّ الكلام ، لمّا طال ، كان الفاصل بين المؤنّث والفعل ، كالمعوّض من تاء التّأنيث ، والعرب تقول : حضر القاضي امرأة فيذكرون ؛ لأنّ القاضي فصل بين الفعل وبين المرأة.
والثّالث : أنه الجارّ والمجرور ، وهذا يتّجه على رأي الأخفش ، والكوفيين ، و «عليكم» في محلّ رفع على هذا القول ، وفي محلّ نصب على القولين الأوّلين.
قوله تعالى : (إِذا حَضَرَ) العامل في «إذا» «كتب» على أنّها ظرف محض وليس متضمّنا للشّرط ، كأنّه قيل : «كتب عليكم الوصيّة وقت حضور الموت» ولا يجوز أن يكون العامل فيه لفظ «الوصيّة» ؛ لأنّها مصدر ، ومعمول المصدر لا يتقدّم عليه لانحلاله لموصول وصلة ، إلّا على مذهب من يرى التّوسّع في الظّرف وعديله ، وهو أبو الحسن ؛ فإنّه لا يمنع ذلك ، فيكون التّقدير : «كتب عليكم أن توصوا وقت حضور الموت».
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ٥٠.
(٢) ينظر : تفسير القرطبي ٢ / ١٧٣.