وقال ابن عطيّة (١) ويتّجه في إعراب هذه الآية الكريمة : أن يكون «كتب» هو العامل في «إذا» ، والمعنى : «توجّه عليكم إيجاب الله ، ومقتضى كتابه ، إذا حضر» فعبّر عن توجّه الإيجاب ب «كتب» لينتظم إلى هذا المعنى : أنّه مكتوب في الأزل ، و «الوصيّة» مفعول لم يسمّ فاعله ب «كتب» وجواب الشّرطين «إن» و «إذا» مقدّر يدلّ عليه ما تقدّم من قوله «كتب».
قال أبو حيان (٢) وفي هذا تناقص ؛ لأنّه جعل العامل في «إذا» «كتب» ، وذلك يستلزم أن يكون إذا ظرفا محضا غير متضمّن للشّرط ، وهذا يناقض قوله : «وجواب» إذا و «إن» محذوف ؛ لأنّ إذا الشّرطية لا يعمل فيها إلّا جوابها ، أو فعلها الشرطيّ ، و «كتب» : ليس أحدهما ، فإن قيل : قوم يجيزون تقديم جواب الشّرط ، فيكون «كتب» هو الجواب ، ولكنّه تقدّم ، وهو عامل في «إذا» ، فيكون ابن عطيّة يقول بهذا القول.
فالجواب : أنّ ذلك لا يجوز ؛ لأنّه صرّح بأنّ جوابها محذوف مدلول عليه ب «كتب» ، ولم يجعل «كتب» هو الجواب ، ويجوز أن يكون العامل في «إذا» الإيصاء المفهوم من لفظ «الوصيّة» ، وهو القائم مقام الفاعل في «كتب» ؛ كما تقدّم.
قال ابن عطيّة في هذا الوجه : ويكون هذا الإيصاء المقدّر الذي يدلّ عليه ذكر الوصيّة بعد هو العامل في «إذا» ، وترتفع «الوصيّة» بالابتداء ، وفيه جواب الشّرطين ؛ على نحو ما أنشده سيبويه : [البسيط]
٩١٩ ـ من يفعل الصّالحات الله يحفظه |
|
..........(٣) |
ويكون رفعها بالابتداء ، أي : فعليه الوصيّة ؛ بتقدير الفاء فقط ؛ كأنّه قال : «فالوصيّة للوالدين» ، وناقشه أبو حيّان من وجوه :
أحدها : أنّه متناقض من حيث إنّه إذا جعل «إذا» معمولة للإيصاء المقدر ، تمحّضت للظّرفية ، فكيف يقدّر لها جواب ؛ كما تقدّم تحريره.
والثاني : أنّ هذا الإيصاء إما أن تقدّر لفظه محذوفا ، أو تضمره ، وعلى كلا التّقديرين ، فلا يعمل ؛ لأنّ المصدر شرط إعماله ألّا يحذف ، ولا يضمر عند البصريّين ، وأيضا : فهو قائم مقام الفاعل ؛ فلا يحذف.
الثّالث : قوله «جواب الشّرطين» والشيء الواحد لا يكون جوابا لاثنين ، بل جواب كلّ واحد مستقلّ بقدره.
الرابع : جعله حذف الفاء جائزا في القرآن ، وهذا نصّ سيبويه (٤) على أنّه لا يجوز إلا ضرورة ، وأنشد : [البسيط]
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ١ / ٢٤٧.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٢ / ٢٣.
(٣) تقدم برقم ١٤٩.
(٤) ينظر : الكتاب لسيبويه ١ / ٤٣٥.