الحياة ، وبعد الموت ، وخصّصها العرف بما يعهد بفعله ، وتنفيذه بعد الموت ، والجمع وصايا ، كالقضايا جمع قضيّة ، والوصيّ يكون الموصي ، والموصى إليه ؛ وأصله من وصى مخفّفا وتواصى النّبت تواصيا ، إذا اتصل ، وأرض واصية : متّصلة النّبات ، وأوصيت له بشيء ، وأوصيت إليه ، إذا جعلته وصيّك ، والاسم الوصاية والوصاية بالكسر والفتح ، وأوصيته ، ووصّيته أيضا توصية بمعنى ؛ والاسم الوصاة ، وتواصى القوم أوصى بعضهم بعضا ، وفي الحديث «استوصوا بالنّساء خيرا ؛ فإنهنّ عوان عندكم» ووصّيت الشيء بكذا ، إذا وصّلته به.
فصل في سبب كون الوصية للوالدين والأقربين
اعلم : أن الله تعالى بيّن أن الوصية الواجبة للوالدين والأقربين. قال الأصمّ (١) : وذلك أنّهم كانوا يوصون للأبعدين طلبا للفخر والشّرف ، ويتركون الأقارب في الفقر ، والمسكنة ؛ فأوجب الله تعالى في أول الإسلام الوصيّة لهؤلاء.
وقال ابن عبّاس ، وطاوس ، وقتادة ، والحسن : إنّ هذه الوصيّة كانت واجبة قبل آية المواريث للوالدين والأقربين من يرث منهم ، ومن لا يرث ، فلما نزلت آية المواريث ، نسخت وجوبها في حقّ الوارث ، وبقي وجوبها في حقّ من لم يرث (٢) ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنّ الله قد أعطى كلّ ذي حقّ حقّه ، فلا وصيّة لوارث» (٣).
وقال طاوس : من أوصى لقوم ، وترك ذوي قرابة محتاجين ، انتزعت منهم ، وردت في ذوي قرابته.
وذهب الأكثرون إلى أن الوجوب صار منسوخا في حقّ الكافّة ، وهي مستحبّة في حقّ الذين لا يرثون.
روى مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «ما حقّ امرىء مسلم
__________________
ـ عرفها الشافعية بأنها : تبرع بحق مضاف ـ ولو تقديرا ـ لما بعد الموت.
عرفها المالكية بأنها : عقد يوجب حقّا في ثلث عاقده ، يلزم بموته أو نيابة عنه بعده.
عرفها الحنابلة بأنها : الأمر بالتّصرّف بعد الموت.
انظر : شرح فتح القدير ٨ / ٤١٦ ، مغني المحتاج ٣ / ٣٩ ، شرح منح الجليل ٤ / ٦٤٢ ، كشاف القناع ٤ / ٣٣٥.
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ٥٢.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ٣٩١) عن ابن عباس.
(٣) أخرجه الترمذي (٢١٢٠ ـ ٢١٢١) والنسائي كتاب الوصايا باب ٥ وابن ماجه (٢٧١٣ و ٢٧١٤) وأحمد (٤ / ١٨٦ ـ ١٨٧ ، ٢٣٨) والبيهقي (٦ / ٨٥ ، ٢٤٤ ، ٣٦٣) وابن أبي شيبة (١١ / ١٤٩) والطبراني في «الكبير» (٧ / ٣٥) والدارقطني (٤ / ٧٠) والبخاري في «التاريخ الكبير» (٦ / ٣٠٤) وابن عساكر (٦ / ٧٠ ـ تهذيب) والخطيب في تاريخ بغداد (٦ / ٢٢٧).