وقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «الإضرار في الوصيّة من الكبائر» (١) وقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «إنّ الرّجل ليعمل أو المرأة بطاعة الله ستّين سنة ، ثمّ يحضرهما الموت ، فيضارّان في الوصيّة ، فتجب لهما النّار» (٢). وروى عمران بن حصين ، أن رجلا أعتق ستة مملوكين عند موته ، لم يكن له مال غيرهم ، فبلغ ذلك النبي صلىاللهعليهوسلم فغضب من ذلك ، وقال : لقد هممت ألّا أصلي عليه [ثم دعا مملوكيه] ، فجزّأهم ثلاثا ، وأقرع بينهم ، وأعتق اثنين ، وأرقّ أربعة(٣).
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(١٨٣)
«الصّيام» : مفعول لم يسمّ فاعله ، وقدّم عليه هذه الفضلة ، وإن كان الأصل تأخيرها عنه ؛ لأن البداءة بذكر المكتوب عليه آكد من ذكر المكتوب لتعلّق الكتب بمن يؤدي ، والصّيام مصدر صام يصوم صوما ، والأصل : «صواما» ، فأبدلت الواو ياء ، والصّوم مصدر أيضا ، وهذان البناءان ـ أعني : فعل وفعال ـ كثيران في كلّ فعل واويّ العين صحيح اللام ، وقد جاء منه شيء قليل على فعول ؛ قالوا : «غار غوورا» ، وإنما استكرهوه ؛ لاجتماع الواوين ، ولذلك همزه بعضهم ، فقال : «الغئور».
قال أبو العباس المقرىء : وقد ورد في القرآن «كتب» بإزاء أربعة معان :
الأول : بمعنى فرض ؛ قال تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) ، أي : فرض.
الثاني : بمعنى قضى ؛ قال تعالى : (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) [المجادلة : ٢١] ، ومثله : (قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللهُ لَنا) [التوبة : ٥١].
الثالث : بمعنى جعل ؛ قال تعالى : (ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) [المائدة : ٢١] ، أي : جعل لكم ، ومثله : (كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ) [المجادلة : ٢٢] ، أي : جعل.
الرابع : بمعنى أمر ؛ قال تعالى : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) [المائدة : ٤٥] ، أي : أمرناهم.
والصيام لغة : الإمساك عن الشيء مطلقا ، ومنه صامت الرّيح : أمسكت عن
__________________
(١) أخرجه الدارقطني (٤ / ١٥١) والعقيلي في «الضعفاء» (٣ / ١٨٩) والحديث ذكره ابن كثير في «تفسيره» (٢ / ٢٠٢ ، ٢٤٤) وكذلك ذكره الذهبي في «الميزان» (٦٢٢١).
(٢) تقدم.
(٣) أخرجه النسائي (٤ / ٦٤) كتاب الجنائز باب الصلاة على من يحيف في وصيته رقم (١٩٥٨) وأحمد (٤ / ٤٣١) وسعيد بن منصور (٤٠٨ ، ٤٠٩ ، ٤١٠) والطحاوي في «مشكل الآثار» (١ / ٣١٨) والطبراني في «الكبير» (١٨ / ١٧٩) وأبو نعيم في «الحلية» (٣ / ٦٠) عن عمران بن حصين.