(بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) قال أبو حيّان (١) ـ بعد أن حكى هذا عن ابن عطية ـ : وهذا فيه بعد ؛ لأنّ تشبيه الصّوم بالكتابة لا يصحّ ، [هذا إن كانت «ما» مصدريّة ، وأمّا إن كانت موصولة ، ففيه أيضا بعد ؛ لأنّ تشبيه الصّوم بالصّوم لا يصحّ](٢) ، إلا على تأويل بعيد.
الرابع : أن يكون في محل نصب على الحال من «الصّيام» وتكون «ما» موصولة ، أي : مشبها الذي كتب ، والعامل فيها «كتب» ؛ لأنّه عامل في صاحبها.
الخامس : أن يكون في محلّ رفع ؛ لأنه صفة للصيام ، وهذا مردود بأن الجارّ والمجرور من قبيل النّكرات ، والصّيام معرفة ؛ فكيف توصف المعرفة بالنّكرة؟ وأجاب أبو البقاء (٣) عن ذلك ؛ بأن الصّيام غير معين ؛ كأنّه يعني أن «أل» فيه للجنس ، والمعرّف بأل الجنسيّة عندهم قريب من النّكرة ؛ ولذلك جاز أن يعتبر لفظه مرّة ، ومعناه أخرى ؛ قالوا : «أهلك النّاس الدّينار الحمر والدّرهم البيض» ، ومنه :
٩٣٣ ـ ولقد أمرّ على اللّئيم يسبّني |
|
فمضيت ثمّت قلت : لا يعنيني (٤) |
(وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) [يس : ٣٧] وقد تقدّم الكلام على مثل قوله : (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) [البقرة : ٢١] كيف وصل الموصول بهذا ؛ والجواب عنه في قوله : (خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) [البقرة : ٢١].
فصل في المراد بالتشبيه في الآية
في هذا التشبيه قولان :
أحدهما : أنه عائد إلى أصل إيجاب الصوم ، يعني : هذه العبادة كانت مكتوبة على الأنبياء والأمم من ولد آدم ـ عليه الصلاة والسلام ـ إلى عهدكم لم تخل أمّة من وجوبها عليهم.
وفائدة هذا الكلام : أنّ الشّيء الشاقّ إذا عمّ ، سهل عمله.
القول الثاني : أنه عائد إلى وقت الصّوم ، وإلى قدره ، وذكروا فيه وجوها :
أحدها : قال سعيد بن جبير «كان صوم من قبلنا من العتمة إلى اللّيلة القابلة ؛ كما كان في ابتداء الإسلام» (٥).
ثانيها : أن صوم رمضان كان واجبا على اليهود والنصارى ، أما اليهود فإنها تركته
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٢ / ٣٦.
(٢) سقط في ب.
(٣) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ٨٠.
(٤) تقدم برقم ٧٥٧.
(٥) أخرجه عبد بن حميد عن سعيد بن جبير كما في «الدر المنثور» (١ / ٣٢٤).