الثالث : أنه منصوب بالصّيام على أن تقدّر الكاف نعتا لمصدر من الصّيام ؛ كما قد قال به بعضهم ، وإن كان ضعيفا ؛ فيكون التّقدير : «الصّيام صوما ؛ كما كتب» ؛ فجاز أن يعمل في «أيّاما» «الصّيام» ؛ لأنه إذ ذاك عامل في «صوما» الذي هو موصوف ب «كما كتب» ، فلا يقع الفصل بينهما بأجنبيّ ، بل بمعمول المصدر.
الرابع : أن ينتصب ب «كتب» إمّا على الظّرف ، وإمّا على المفعول به توسّعا ، وإليه نحا الفرّاء (١) ، وتبعه على ذلك أبو البقاء (٢).
قال أبو حيّان (٣) : وكلا القولين خطأ : أمّا النّصب على الظرفيّة ، فإنّه محلّ للفعل ، والكتابة ليست واقعة في الأيّام ، لكنّ متعلّقها هو الواقع في الأيّام ، وأمّا [النّصب على المفعول اتساعا ، فإنّ ذلك مبنيّ على كونه ظرفا ل «كتب» ، وقد تقدّم أنّه خطأ ، وقيل : نصب على](٤) التّفسير.
و «معدودات» صفة ، وجمع صفة ما لا يعقل بالألف والتّاء مطّرد ؛ نحو هذا ، وقوله : «جبال راسيات» ، و «أيّام معلومات».
فصل في اختلافهم في المراد بالأيّام
اختلفوا في هذه الأيام على قولين :
أحدهما : أنها غير رمضان ، قاله معاذ ، وقتادة ، وعطاء ، ورواه عن ابن عبّاس ، ثم اختلف هؤلاء : فقيل ثلاثة أيّام من كلّ شهر (٥) ، وصوم يوم عاشوراء ، قاله قتادة ، ثمّ اختلفوا أيضا : هل كان تطوعا أو مرضا ، واتفقوا على أنّه منسوخ برمضان.
واحتجّ القائلون بأنّ المراد بهذه الأيّام غير رمضان بوجوه :
أحدها : قوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «إنّ صوم رمضان نسخ كلّ صوم» (٦) فدلّ هذا على أنّ قبل رمضان كان صوما آخر واجبا.
وثانيها : أنّه تعالى ذكر حكم المريض والمسافر في هذه الآية ، ثم ذكر حكمها أيضا في الآية الّتي بعدها الدالّة على صوم رمضان ، فلو كان هذا الصّوم هو صوم رمضان ، لكان ذلك تكريرا محضا من غير فائدة ، وهو لا يجوز.
وثالثها : قوله تعالى هنا (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ) [البقرة : ١٨٤] تدلّ على أنّ
__________________
(١) ينظر : معاني القرآن للفراء ١ / ١١٢.
(٢) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ٢ / ٣١.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٢ / ٣٨.
(٤) سقط في ب.
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ٤١٤) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١٠ / ٣٢٣) وزاد نسبته لابن أبي حاتم عن ابن عباس.
(٦) ذكره الفخر الرازي في «التفسير الكبير» (٥ / ٦١). وذكر السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٣٢٣) أثرا أخرجه سعيد بن منصور عن أبي جعفر قال : نسخ شهر رمضان كل صوم.