فصل في أصل السّفر واشتقاقه
أصل السّفر من الكشف ، وذلك أنه يكشف عن أحوال الرّجال وأخلاقهم ،
__________________
ـ وإنّما وجب عليهما قضاء الصّوم دون الصلاة ؛ للفرق بينهما ـ وهو أنّ الصّلاة تتكرر في اليوم خمس مرات ، بخلاف الصوم فإنّه شهر في السّنة.
وأمّا العجز الحسّي عن الصوم ، فهو ما لحق صاحبه مشقّة لا تحتمل عادة ، وله أسباب :
الأول : المرض : فيباح للمريض ترك صوم رمضان إذا كان يحصل له بسبب الصوم مشقة لا تحتمل عادة سواء كان هذا المرض يرجى زواله أم لا لقوله تعالى : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) ؛ ولقوله تعالى : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ). ولا تتوقف إباحة الفطر للمريض على قول طبيب عدل بحصول المشقة المذكورة إذا صام ، بل يكفي أن يتضرّر المريض بالصّوم ، وأنه يدرك الألم الحاصل له بسبب الصوم ، ولا يلزم المريض تبييت النيّة ليلا إذا كان المرض الذي عنده مطبقا ، أي مستمرّا ليلا ونهارا أمّا إذا كان غير مطبق ، بأن كان متقطعا ؛ كالحمى الّتي توجد في وقت وتنقطع في وقت آخر ، فيفصل فيه ، فإن كان المرض غير موجود قبيل الفجر لزمه تبييت النيّة ؛ لاحتمال الشفاء ، وعدم عودة المرض ، ثمّ إن عاد المرض جاز له الفطر ، وإلّا فلا.
أمّا إذا كان المرض موجودا قبيل الفجر ، فلا يلزمه التبييت ، ويلزمه قضاء ما ترك.
ثم إذا أصبح الصحيح صائما ، ثمّ مرض في أثناء النهار ـ جاز له الفطر ، لأنه أبيح له الفطر للضرورة ، والضرورة موجودة.
الثاني : كبر السّنّ فلا يجب الصوم على كبير السن الذي يلحقه بسبب الصوم مشقة لا تحتمل عادة ، سواء كان الكبير رجلا أو امرأة ؛ لقوله تعالى : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) ، والظّاهر أنّه لا يجب عليه تبييت النّيّة ؛ لأن عذره ـ وهو الكبر ـ دائم ، فلا يحتمل الزّوال.
الثالث : الاشتغال بعمل يشقّ معه الصوم مشقة لا تحتمل عادة ، فيباح الفطر للبنّائين ، والفعلة ، والخبّازين ، ومن ماثلهم من كلّ ذي عمل شاقّ ، وذكرا كان أو أنثى إلّا أنّه يلزمه تبييت النيّة لأنّ الأصل بقاء القدرة ، ثمّ إن لحقه بالنهار المشقة المذكورة ، أفطر ، وإلّا فلا ، ولا يجوز له ترك النّيّة ليلا.
الرابع : شدة الجوع والعطش ، فيباح الفطر لمن لحقه ذلك ، بل إذا غلبه الجوع أو العطش ، وخشي الهلاك ـ لزمه الفطر ، وإن كان صحيحا مقيما لقوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) ، وقوله تعالى : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) ويلزمه القضاء ؛ كالمريض.
قال الغزالي في «المستصفى» : من خاف الهلاك ؛ لترك الأكل ، حرم عليه الصوم ، وإن صام ، ففي انعقاده وجهان :
أصحهما : انعقاده مع الإثم.
الخامس : خوف المرضع حصول مشقة شديدة لها بسبب الصوم ، سواء كانت مستأجرة أو متبرعة وكما يباح الفطر للمرضعة ؛ لخوفها على نفسها من حصول المشقة المذكورة بسبب الصوم ، يباح لها الفطر أيضا ؛ لخوفها على رضيعها ؛ بأن تخاف قلّة اللّبن ، فيتضرّر الرضيع.
وسيأتي أنها إذا أفطرت لخوفها على نفسها ، ولو مع الرضيع ، لا يجب عليها إلّا القضاء فقط.
أمّا إذا خافت على رضيعها فقط ، وأفطرت ـ وجب عليها القضاء بدلا عن الصوم ، وفي الكفارة ثلاثة أوجه :
أحدها : وهو المتفق عليه من الأصحاب وجوبها ، وهي عبارة عن مدّ لكل يوم ، لقوله تعالى : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ). ـ