وقال الأوزاعيّ : السّفر المبيح للفطر هو مسافة القصر ، ومذهب الشافعيّ ومالك ،
__________________
ـ المتراخي نسخ لا تخصيص ، وأن العام قطعيّ الدلالة عندهم ، فإذا كان من الكتاب أو السنة المتواترة ، كان قطعي الثبوت والدلالة.
موقف الأصوليين من حالتين ، تجيء فيهما خطابات الشارع عامة وخاصة ، في موضوع واحد ، وهما في درجة واحدة ، علم تاريخهما أو جهل ، ونتكلم عن حالة ثالثة فيها آية عامة ، أو حديث متواتر كذلك عارض العموم فيهما خبر خاص من أخبار الآحاد.
واعلم أنه لم يعلم خلاف بين الأصوليين في جواز تخصيص العام من الكتاب ، أو السنة المتواترة ، بالمستقل المقارن القطعي الثبوت ؛ بأن كان كتابا أو سنة متواترة ، إلّا ما حكاه صاحب «إرشاد الفحول» وغيره ؛ من مخالفة بعض الظاهرية في تخصيص الكتاب بالكتاب ، وبعض الشافعية وأحمد في رواية ، ومكحول في تخصيص السنة المتواترة بالكتاب.
وقد ألحق الحنفية المشهور بالمتواتر ؛ قائلين : لأنه على رأي الجصاص ومن وافقه ؛ من أنه يفيد علم اليقين فظاهر ، وأما على رأي من يرى أنه يفيد علم الطمأنينة ك «ابن أبان» ومن وافقه ؛ فلأنه قريب من اليقين ، والعام ليس بحيث يكفر جاحده ، فهو قريب من الظن ، وقد انعقد الإجماع على تخصيص عمومات الكتاب بالخبر المشهور ؛ كقوله ـ عليهالسلام ـ : «لا يرث القاتل شيئا» وقوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «لا تنكح المرأة على عمتها ، ولا على خالتها».
هكذا وجّه الحنفية رأيهم في إلحاق المشهور بالمتواتر ، وبيّن أنه على رأي الجصاص ومن وافقه ؛ من أنه يفيد علم اليقين ، أنه يقوى على معارضة الكتاب والخبر المتواتر عندهم ، أما على الرأي الثاني : فغير واضح ذلك منهم ؛ لأن غاية ما تفيده هذه الشهرة غلبة الظن ، أي : ظنّا أقوى مما يفيده خبر الواحد ، ولا يصل بالخبر إلى درجة القطع ، وإذا فكيف ينتهض الظني معارضا للقطعي.
ولعل الحامل للحنفية على تلك المحاولة التي أبدوها في الخبر المشهور ، وأنه ملحق بالمتواتر ـ ذهابهم إلى منع تخصيص القرآن بأخبار الآحاد ؛ فإنهم لمّا وجدوا كثيرا من الأحاديث انعقد الإجماع على تخصيص القرآن بها ، فتحوا باب الشهرة واسعا ، واعترفوا بتخصيصه ، وراحوا يدّعون الشهرة في كثير من الأحاديث ؛ راجين من وراء ذلك دفع ما يعود على أصلهم بالبطلان ، وقد أفرطوا في ادّعاء الشهرة حتى ادّعاها بعضهم في أحاديث لم يثبت رفعها ؛ فضلا عن شهرتها ، فعلوا ذلك في حديث : «أخروهن من حيث أخرهن الله» فأثبتوا بذلك فرضا على الرجل ، وهو تأخير المرأة عنه في صلاته ، حتى إذا لم يفعل وحاذته المرأة فيها ـ فسدت صلاته.
وها هو ذا الكمال ابن الهمام ـ وهو حنفي له مكانة بين الأحناف ـ يقول في «فتح القدير» ـ تعليقا على قول شارح الهداية : «إن الحديث من المشاهير» : إنه لم يثبت رفعه فضلا عن كونه من المشاهير ، وإنما هو في مسند عبد الرزّاق موقوف على ابن مسعود الخ ما قال.
فعلوا ذلك أيضا في حديث : «لا نكاح إلا بشهود» جاء في العناية على الهداية : «وأما اشتراط الشهادة ؛ فلقوله عليهالسلام : «لا نكاح إلا بشهود» ، واعترض بأنه خبر واحد ، فلا يجوز تخصيص قوله تعالى : «فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ» به ، وأجاب فخر الاسلام : بأن هذا حديث مشهور تلقته الأمة بالقبول ، فتجوز الزّيادة على الكتاب» وعلق ابن الهمام على ذلك : بأن ابن حبان روى من حديث عائشة أنه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قال : «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل ، وما كان من نكاح على غير ذلك ، فهو باطل ، فإن تشاجروا ، فالسّلطان وليّ من لا ولي له» قال ابن حبان : لا يصح في ذكر الشاهدين غير هذا ، وشتان ما بين هذا وبين قول فخر الاسلام : إن حديث الشهود مشهور يجوز تخصيص الكتاب به.
هذا ، ولما كان الكلام في هذا التفصل يتعلّق بخبر الواحد الذي يتعارض مع العام من الكتاب ، أو السنة ـ