خيّر بين أن يصوم وبين أن يفطر ويفدي](١) ثم نسخ بقوله : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) وتثبت الرّخصة للّذين لا يطيقونه ، وذهب جماعة إلى أنّ الآية الكريمة محكمة غير منسوخة ، معناه : وعلى الّذين كانوا يطيقونه في حال الشّباب ، فعجزوا عنه بعد الكبر ، فعليهم الفدية بدل الصّوم ، وقراءة ابن عباس «يطوّقونه» بضم الياء ، وفتح الطّاء مخففة ، وتشديد الواو ، أي : يكلّفون الصوم ، فتأوّله على الشّيخ الكبير ، والمرأة الكبيرة ، لا يستطيعان الصّوم ، والمريض الذي لا يرجى برؤه ، فهم يكلّفون الصّوم ، ولا يطيقونه ، فلهم أن يفطروا ، ويطعموا مكان كلّ يوم مسكينا ، وهو قول سعيد بن جبير (٢) ، وجعل الآية محكمة.
فصل في المراد بالفدية ومقدارها
«الفدية» في معنى الجزاء ، وهو عبارة عن البدل القائم عن الشيء وهي عند أبي حنيفة نصف صاع من برّ ، أو صاعا من غيره وهو مدّان ، وعن الشّافعي «مدّ» بمدّ النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وهو رطل وثلث من غالب أقوات البلد ، وهو قول فقهاء الحجاز.
وقال بعض فقهاء العراق : نصف صاع لكلّ يوم يفطر (٣).
وقال بعض الفقهاء : ما كان المفطر يتقوّته يومه الّذي أفطره (٤).
وقال ابن عباس : يعطي كلّ مسكين عشاءه وسحوره (٥).
فصل في احتجاج الجبائي بالآية
احتجّ الجبّائيّ بقوله تعالى : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) على أن الاستطاعة قبل الفعل ؛ فقال : الضمير في قوله : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ) عائد إلى الصّوم ، فأثبت القدرة على الصّوم حال عدم الصّوم ؛ لأنّه أوجب عليه الفدية ، وإنّما تجب عليه الفدية إذا لم يصم ؛ فدلّ هذا على أن القدرة على الصّوم حاصلة قبل حصول الصّوم.
فإن قيل : لم لا يجوز أن يكون الضمير عائدا إلى الفدية؟
قلنا : لا يصحّ لوجهين :
أحدهما : أن الفدية متأخّرة ، فلا يعود الضّمير إليها.
والثاني : أنّ الضّمير مذكّر ، والفدية مؤنّثة.
فإن قيل : هذه الآية منسوخة ، فكيف يجوز الاستدلال بها؟!
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٥٠.
(٣) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٥٠.
(٤) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٥٠.
(٥) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٥٠.