وقال أبو مسلم : يحتمل أن يكون ذلك خطابا لأهل الكتاب ، والمراد بالإيمان صلاتهم ، وطاعتهم قبل البعثة ثم نسخ.
وإنما اختار أبو مسلم هذا القول ، لئلا يلزمه وقوع النسخ في شرعنا.
قال القرطبي : «وسمى الصلاة إيمانا لاشتمالها على نيّة وقول وعمل».
استدلت المعتزلة بقوله : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) على أن الإيمان اسم لفعل الطاعات ، فإنه ـ تعالى ـ أراد بالإيمان هاهنا الصلاة.
والجواب : لا نسلم أن المراد من الإيمان هنا الصلاة ، بل المراد منه التّصديق ، والإقرار ، فكأنه ـ تعالى ـ قال : إنه لا يضيع تصديقكم بوجوب تلك الصلاة.
سلمنا أن المراد من الإيمان هاهنا الصلاة ، ولكن الصلاة أعظم الإيمان ، وأشرف نتائجه وفوائده ، فجاز إطلاق اسم الإيمان على الصلاة على سبيل الاستعارة من هذه الجهة.
فصل في الكلام على الآية
قوله : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) أي : لا يضيع ثواب إيمانكم ؛ لأن الإيمان قد انقضى وفني ، وما كان كذلك استحال حفظه وإضاعته ، إلّا أنّ استحقاق الثواب قائم بعد انقضائه ، فصح حفظه وإضاعته ، وهو كقوله تعالى : (أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ) [آل عمران : ١٩٥].
قوله : (لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ).
قرأ أبو عمرو (١) ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر : «لرؤف» على وزن : «ندس» و «رعف» مهموزا غير مشبع ، وهي لغة فاشية ، كقوله : [الوافر]
٨٢٧ ـ وشرّ الظّالمين فلا تكنه |
|
يقاتل عمّه الرّؤف الرّحيما (٢) |
وقال آخر : [الوافر]
٨٢٨ ـ يرى للمسلمين عليه حقّا |
|
كحقّ الوالد الرّؤف الرّحيم (٣) |
وقرأ الباقون : «لرؤوف» مثقلا مهموزا مشبعا على زنة «شكور».
وقرأ أبو جعفر (٤) «لروف» من غير همز ، وهذا دأبه في كل همزة ساكنة أو متحركة.
__________________
(١) انظر الكشف : ١ / ٢٦٦ ، والسبعة : ١٧١ ، والشواذ : ١٠ ، والحجة : ٢ / ٢٢٩ ، وحجة القراءات : ١١٦ ، والعنوان : ٧٢ ، وشرح الطيبة : ٤ / ٧١ ـ ٧٣ ، وشرح شعلة : ٢٧٨ ، وإتحاف فضلاء البشر : ١ / ٤٢١ ، ٤٢٢.
(٢) البيت للوليد بن عقبة. ينظر الطبري : ٣ / ١٧١ ، والمحرر الوجيز : ١ / ٤٤٢ ، والبحر المحيط : ١ / ٦٠١ ، القرطبي : ٢ / ١٠٧ ، والدر المصون : ١ / ٣٩٧.
(٣) البيت لجرير. ينظر ديوانه : (٣٨٢) ، البحر المحيط : ١ / ٦٠١ ، والدر المصون : ١ / ٣٩٧.
(٤) ينظر القراءة السابقة.