سكّنوها ؛ تشبيها لها مع الواو والفاء ب «كتف» ؛ إجراء للمنفصل مجرى المتصل. وقرأ السّلميّ وأبو حيوة وغيرهما بالأصل ، أعني كسر لام الأمر في جميع القرآن. وفتح هذه اللام لغة سليم فيما حكاه الفراء ، وقيّد بعضهم هذا عن الفراء ، فقال : «من العرب من يفتح اللام ؛ لفتحة الياء بعدها» ، قال : «فلا يكون على هذا الفتح إن انكسر ما بعدها أو ضمّ : نحو : لينذر ، ولتكرم أنت خالدا».
والألف واللام في قوله (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ) للعهد ، إذ لو أتى بدله بضمير ، فقال : «فمن شهده منكم» لصحّ إلا أنّه أبرزه ظاهرا ؛ تنويها به.
فصل في بناء القولين على مخالفة الظاهر
قال ابن الخطيب (١) واعلم أن كلا القولين أعني : كون مفعول «شهد» محذوفا أو هو الشّهر لا يتم إلّا بمخالفة الظاهر.
أما الأوّل : فإنّما يتم بإضمار زائد ، وأمّا الثاني : فيوجب دخول التخصيص في الآية الكريمة وذلك لأنّ شهود الشّهر حاصل في حقّ الصبيّ والمجنون والمسافر ، مع أنّه لم يجب على واحد منهم الصّوم إلّا أنا بيّنا في «أصول الفقه» أنه متى وقع التعارض بين التخصيص والإضمار ، فالتخصيص أولى ، وأيضا ، فلأنّا على القول الأول ، لما التزمنا الإضمار لا بدّ أيضا من التزام التّخصيص ؛ لأنّ الصبيّ والمجنون والمريض كلّ واحد منهم شهد الشّهر مع أنه لا يجب عليهم الصّوم.
فالقول الأول : لا يتمشى إلّا مع التزام الإضمار والتّخصيص.
والقول الثاني : يتمشى بمجرّد التخصيص ؛ فكان القول الثاني أولى ، هذا ما عندي فيه ، مع أن أكثر المحقّقين كالواحديّ وصاحب الكشّاف ذهبوا إلى الأوّل.
فصل
قال ابن الخطيب (٢) قوله تعالى : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) جملة مركّبة من شرط وجزاء ، فالشّرط ه و «من شهد منكم الشهر» ، والجزاء هو الأمر بالصّوم ، وما لم يوجد الشرط بتمامه ، لم يترتّب عليه الجزاء ، والشهر اسم للزمان المخصوص من أوّله إلى آخره ، وشهود الشّهر إنما يحصل عند الجزء الأخير من الشّهر ، فظاهر الآية الكريمة يقتضي أنّ عند شهود الجزء الأخير من الشّهر يجب عليه صوم كل الشهر ، وهذا محال ؛ لأنه يقتضي إيقاع الفعل في آخر الزّمان المنقضي ؛ وهو ممتنع ، وبهذا الدليل علمنا أنه لا يمكن إجراء هذه الآية على ظاهرها ، وأنه لا بدّ من صرفها إلى التأويل ، وطريقه : أن يحمل لفظ الشهر على جزء من أجزاء الشهر ؛ فيصير تقديره : من شهد جزءا من أجزاء
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ٧٥.
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ٧٦.