والباء في «بكم» قال أبو البقاء (١) : للإلصاق ، أي : يلصق بكم اليسر ، وهو من مجاز الكلام ، أي : يريد الله بفطركم في حال العذر اليسر ، وفي قوله : (وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) تأكيد ؛ لأنّ قبل ه «يريد بكم اليسر» وهو كاف عنه. وقرأ (٢) أبو جعفر ويحيى بن وثّاب وابن هرمز : «اليسر ، والعسر» بضمّ السين ، والضمّ للإتباع؟ والأظهر الأول ؛ لأنه المعهود في كلامهم.
و «اليسر» في اللغة السّهولة ، ومنه يقال للغنى والسّعة : اليسار ؛ لأنه يتسهل به الأمور واليد اليسرى ، قيل : تلي الفعال باليسر ، وقيل إنه يتسهّل الأمر بمعاونتها اليمنى.
فصل في دحض شبهة للمعتزلة
استدلّوا بهذه الآية على أنّ تكليف ما لا يطاق غير واقع ؛ لأنه تعالى لمّا بيّن أنه يريد بهم اليسر ، ولا يريد بهم العسر ، فكيف يكلّفهم ما لا يقدرون عليه.
وأجيبوا : بأنّ اللفظ المفرد ، إذا دخل عليه الألف واللام لا يفيد العموم ، ولو سلّمنا ذلك ؛ لكنّه قد ينصرف إلى المعهود السّابق في هذا الموضع (٣).
فصل في دحض شبهة أخرى للمعتزلة
قالت المعتزلة : هذه الآية تدلّ على أنّه قد يقع من العبد ما لا يريده الله تعالى ؛ وذلك لأنّ المريض لو تحمّل الصّوم حتى أجهده ، لكان يجب أن يكون قد فعل ما لا يريده الله تعالى منه ، إذ كان لا يريد غيره.
وأجيبوا بحمل اللّفظ على أنّه تعالى لا يريد أن يأمر بما فيه عسر ، وإن كان قد يريد منه العسر ؛ وذلك لأن الأمر قد يثبت بدون الإرادة (٤).
قالت المعتزلة : هذه الآية دالّة على أنه تعالى لا يريد بهم الكفر فيصيرون إلى النّار ، فلو خلق فيهم ذلك الكفر ، لم يكن لائقا به أن يقول (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) وجوابه : أنه معارض بمسألة العلم.
قوله : (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) في هذه اللام ثلاثة أقوال :
أحدها : أنها زائدة في المفعول به ؛ كالتي في قولك : ضربت لزيد ، و «أن» مقدّرة بعدها ، تقديره : «ويريد أن تكملوا العدّة» ، أي : تكميل ، فهو معطوف على اليسر ؛ ونحوه قول أبي صخر : [الطويل]
__________________
(١) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ٨٢.
(٢) انظر : البحر المحيط ٢ / ٤٩ ، والدر المصون ١ / ٤٦٩ ، وإتحاف ١ / ٤٣٢.
(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ٧٨.
(٤) ينظر : تفسير الفخر ٥ / ٧٩.