و «الرأفة» : أشد الرحمة ، فهي أخص منها ، [وقيل بينهما عموم وخصوص ، فلا ترى فيه أكمل من الرحمة بالكيفية ، والرحمة اتصال النعمة برقة يكون معها إيلام كقطع العضو المتآكل وشرب الدواء](١).
وفي «رءوف» لغتان أخريان لم تصل إلينا بهما قراءة وهما : «رئف» على وزن «فخذ» ، و «رأف» على وزن «ضعف».
وإنم قدم على «رحيم» لأجل الفواصل ، والله أعلم.
فصل فيمن استدل بالآية على أن الله تعالى لا يخلق الكفر
استدلت المعتزلة بهذه الآية على أنه تعالى لا يخلق الكفر ولا الفساد قالوا : لأنه ـ تعالى ـ بين أنه بالنّاس لرءوف رحيم ، فوجب أن يكون رءوفا رحيما بهم ، وإنما يكون كذلك لو لم يخلق فيهم الكفر الذي يجرّهم إلى العقاب الدائم ، والعذاب السّرمدي ، ولو لم يكلّفهم ما لا يطيقون ، فإنه ـ تعالى ـ لو كان مع مثل هذا الإضرار رءوفا رحيما ، فعلى أيّ طريق يتصور ألّا يكون رءوفا رحيما.
واعلم أنّ الكلام عليه قد تقدّم مرارا ، والله أعلم.
قوله تعالى : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ)(١٤٤)
قال العلماء : هذه الآية متقدّمة في النزول على قوله تعالى : (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ).
ومعنى «تقلّب وجهك» : تحرّك وجهك إلى السّماء.
اعلم أنّ «قد» هذه قال فيها بعضهم : إنها تصرف المضارع إلى معنى المضيّ ، وجعل من ذلك هذه الآية وأمثالها ، وقول الشاعر : [الطويل]
٨٢٩ ـ لقوم لعمري قد نرى أمس فيهم |
|
مرابط للأمهار والعكر الدّثر (٢) |
وقال الزّمخشريّ : «قد نرى» : ربّما نرى ، ومعناه كثرة الرؤية ؛ كقوله : [البسيط]
٨٣٠ ـ قد أترك القرن مصفرّا أنامله |
|
كأنّ أثوابه مجّت بفرصاد (٣) |
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) البيت لامرىء القيس ينظر ديوانه : ص ١١٢ ، جمهرة اللغة : ص ٧٧٠ ، ورصف المباني : ص ١١١ ، لسان العرب (دثر) ، والدر المصون : ١ / ٣٩٧.
(٣) البيت لعبيد بن الأبرص. ينظر ديوانه : ص ٦٤ ، خزانة الأدب : ١١ / ٢٥٣ ، ٢٥٧ ، ٢٦٠ ، شرح أبيات سيبويه : ٢ / ٣٦٨ ، الدرر : ٥ / ١٢٨ ، شرح شواهد المغني : ص ٤٩٤ ، الأزهية : ص ٢١٢ ، الجنى ـ