هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) فأمر العبد بالتّكبير الذي هو الذّكر وبالشكر ، أعلم العبد أنه سبحانه بلطفه ورحمته قريب من العبد مطلع على ذكره وشكره ، فيسمع نداءه ويجيب دعاءه.
الثاني : أنه أمره بالتّكبير أولا ، ثم رغبه في الدعاء ثانيا تنبيها على أن الدعاء لا بدّ وأن يكون مسبوقا بالثناء الجميل ؛ ألا ترى أن الخليل ـ عليهالسلام ـ لمّا أراد الدعاء قدّم أولا الثناء ؛ فقال : (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ) [الشعراء : ٧٨] إلى قوله : (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) [الشعراء : ٨٢] فلما فرغ من هذا الثناء ، شرع في الدّعاء ، فقال : (رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً) [الشعراء : ٨٣] فكذا هاهنا.
الثالث : أنّه لما فرض عليهم الصّيام ، كما فرض على الذين من قبلهم ؛ وكانوا إذا ناموا ، حرم عليهم ما حرم على الصّائم ، فشقّ ذلك على بعضهم ؛ حتّى عصوا في ذلك التكليف ، ثم ندموا وسألوا النبيّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ عن توبتهم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية الكريمة مخبرا لهم بقبول توبتهم ، وبنسخ ذلك التّشديد ؛ بسبب دعائهم وتضرّعهم.
فصل في بيان سبب النزول
ذكر في سبب نزول هذه الآية الكريمة وجوه :
أحدها : ما قدّمناه.
الثاني : قال ابن عبّاس : إنّ يهود المدينة قالوا : يا محمّد ، كيف يسمع ربّك دعاءنا ، وأنت تزعم أنّ بيننا وبين السّماء مسيرة خمسائة عام ، وأنّ غلظ كلّ سماء مثل ذلك؟ فنزلت الآية الكريمة (١).
الثالث : قال الضّحّاك : إنّ أعرابيّا سأل النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقال : أقريب ربّنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فأنزل الله تعالى الآية (٢).
الرابع : أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان في غزاة خيبر ، وقد رفع أصحابه أصواتهم بالتكبير والتّهليل والدّعاء ، فقال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ اربعوا على أنفسكم فإنّكم لا تدعون أصمّ ولا غائبا ، إنّما تدعون سميعا قريبا وهو معكم (٣).
__________________
(١) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٥٥.
(٢) أخرجه سفيان بن عيينة في «تفسيره» وعبد الله ابن الإمام أحمد في «زوائد الزهد» كما في «الدر المنثور» (١ / ٣٥٢).
(٣) أخرجه البخاري (٤ / ١٣٩) كتاب الجهاد والسير باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير (٢٩٩٢) ، (٨ / ٢٢٤) كتاب القدر باب لا حول ولا قوة إلا بالله (٦٦١٠) ومسلم «الذكر والدعاء» (٤٤) وأحمد (٤ / ٣٩٤ ، ٤٠٢ ، ٤١٨) وأبو داود (١٥٢٨) والبيهقي (٢ / ١٨٤) وعبد الرزاق (٩٢٤٤) وابن أبي شيبة (٢ / ٤٨٨) والطبري في «تفسيره» (٨ / ١٤٧) والبغوي في «شرح السنة» (٥ / ٦٦) وفي «التفسير» (١ / ١٥٩) وابن أبي عاصم في «السنة» (١ / ٢٧٤).