الخامس : قال قتادة وغيره : إنّ الصحابة قالوا : كيف ندعو ربنا ، يا رسول الله ، فنزلت الآية (١).
السادس : قال عطاء وغيره : إن الصحابة سألوا في أي ساعة ندعو ربنا فأنزل الله الآية(٢).
السابع : قال الحسن : سأل أصحاب النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقالوا : أين ربّنا؟ فأنزل الله الآية(٣).
فصل
واعلم أنّ المراد من الآية الكريمة ليس هو القرب بالجهة ؛ لأنّه تبارك وتعالى ، لو كان في مكان ، لما كان قريبا من الكلّ ، بل كان يكون قريبا من حملة العرش ، وبعيدا من غيرهم ، ولكان إذا كان قريبا من زيد الذي بالشّرق ، كان بعيدا من عمرو الذي بالمغرب ، فلمّا دلّت الآية الكريمة على كونه تعالى قريبا من الكلّ ، علمنا أنّ القرب المذكور في الآية الكريمة ليس قربا بجهة ، فثبت أن المراد منه أنه قريب بمعنى أنه يسمع دعاءهم. والمراد من هذا القرب العلم والحفظ ؛ على ما قال : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) [الحديد : ٤] وقال (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [ق : ١٦] وقال تعالى : (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ) [المجادلة : ٧] ونظيره : وهو بينكم وبين أعناق رواحلكم.
قال ابن الخطيب : وإذا عرف هذا فنقول : لا يبعد أن يقال : إنه كان في بعض أولئك الحاضرين من كان قائلا بالتّشبيه ، فقد كان من مشركي العرب ، وفي اليهود وغيرهم من هذه طريقته ، فإذا سألوه ـ عليه الصلاة والسلام ـ أين ربّنا؟ صحّ أن يكون الجواب : فإنّي قريب ، فإنّ القريب من المتكلّم يسمع كلامه ، وإن سألوه كيف يدعون ؛ برفع الصّوت أو بإخفائه؟ صحّ أن يجيب بقوله : (فَإِنِّي قَرِيبٌ) ، وإن سألوه أنه هل يعطينا مطلوبنا بالدّعاء؟ صحّ هذا الجواب ، وإن سألوه : إنا إذا أذنبنا ثم تبنا ، فهل يقبل الله توبتنا؟ صحّ أن يجيب بقوله (فَإِنِّي قَرِيبٌ) أي : فأنا القريب بالنظر إليهم ، والتجاوز عنهم ، وقبول التّوبة منهم ؛ فثبت أنّ هذا الجواب مطابق للسّؤال على كلّ تقدير.
قوله تعالى : (أُجِيبُ) فيها وجهان :
أحدهما : أنها جملة في محلّ رفع صفة ل «قريب».
والثاني : أنها خبر ثان ل «إنّي» ؛ لأنّ «قريب» خبر أوّل.
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» ٣ / ٤٨٢ ـ ٤٨٣ عن قتادة.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ٤٨٢) عن عطاء ، وذكره الرازي في «تفسيره» ٥ / ٨١.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ٤٨١) وذكره السيوطي «الدر المنثور» (١ / ٣٥٢) وزاد نسبته لعبد الرزاق في «تفسيره» عن الحسن وذكره الرازي في «تفسيره» ٥ / ٨١.