يوضع المصدر موضع الاسم ؛ كقولك : رجل عدل ، وحقيقة الدعاء : استدعاء العبد ربّه جلّ جلاله العناية ، واستمداده إيّاه المعونة.
والإجابة في اللّغة : الطاعة وإعطاء ما سئل ، فالإجابة من الله العطاء ، ومن العبد الطاعة.
وقال ابن الأنباريّ «أجيب» ههنا بمعنى «أسمع» ؛ لأنّ بين السماع والإجابة نوع ملازمة (١).
فصل في الجواب على من ادّعى أن لا فائدة في الدّعاء
قال بعضهم : الدعاء لا فائدة فيه لوجوه (٢) :
أحدها : أنّ المطلوب بالدّعاء ، إن كان معلوم الوقوع عند الله تعالى ، كان وقوعه واجبا ؛ فلا حاجة إلى الدّعاء ، وإن كان معلوم الانتفاء واجب العدم ، فلا حاجة إلى الدّعاء.
وثانيها : أنّ وقوع الحوادث في هذا العالم إن كان لا بدّ لها من مؤثّر قديم اقتضى وجودها اقتضاء قديما ، كانت واجبة الوقوع ، وكلّ ما لم يقتض المؤثّر القديم وجوده اقتضاء أزليّا ، كان ممتنع الوقوع ، وإذا كانت هذه المقدّمة ثابتة في الأزل ، لم يكن للدعاء ألبتّة أثر ، وربّما عبّروا عن هذا الكلام بأن قالوا : الأقدار سابقة ، والأقضية متقدّمة ، فالإلحاح في الدّعاء لا يزيد فيها وتركه لا ينقص منها شيئا ، فأيّ فائدة في الدعاء ، وقال عليه الصلاة والسلام : «أربع قد فرغ منها : الخلق والخلق والرّزق والأجل» (٣).
وثالثها : أنّه سبحانه وتعالى قال : (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) [غافر : ١٩] وإذا كان يعلم ما في الضمير ، فأيّ حاجة إلى الدّعاء.
ورابعها : أنّ المطلوب بالدعاء ، إن كان من مصالح العبد ، فالجواد المطلق لا يهمله ، وإن لم يكن من مصالحه ، لم يجز طلبه.
وخامسها : أنّه ثبت أنّ أجلّ مقامات الصّدّيقين وأعلاها الرّضا بقضاء الله تعالى والدعاء ينافي ذلك ؛ لأنه اشتغال بالالتماس ، وترجيح لمراد النّفس على مراد الله.
وسادسها : أنّ الدعاء يشبه الأمر والنّهي ، وذلك من العبد في حقّ المولى الكريم سوء أدب.
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ٨٦.
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ٨٣.
(٣) ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٧ / ١٩٨) وقال : رواه الطبراني وفيه عيسى بن المسيب وثقه الحاكم والدارقطني في السنن وضعفه جماعة وبقية رجاله في أحد الإسنادين ثقات.