فالجواب : أن الإيمان عبارة عن صفة القلب ، وهذا يدلّ على أنّ العبد لا يصل إلى نور الإيمان ، إلّا بتقديم الطّاعات والعبادات.
قوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (١٨٧)
قوله تعالى : (لَيْلَةَ الصِّيامِ) منصوب على الظرف ، وفي الناصب له ثلاثة أقوال :
أحدها ـ وهو المشهور عند المعربين ـ : أنه «أحلّ» ، وليس بشيء ؛ لأنّ الإحلال ثابت قبل ذلك الوقت.
الثاني : أنه مقدر مدلول عليه بلفظ «الرّفث» ، تقديره : أحلّ لكم أن ترفثوا ليلة الصّيام ؛ كما خرّجوا قول الشاعر : [الهزج]
٩٥٠ ـ وبعض الحلم عند الجه |
|
ل للذّلّة إذعان (١) |
أي : إذعان للذّلّة إذعان ، وإنما لم يجز أن ينتصب بالرّفث ؛ لأنه مصدر مقدّر بموصول ، ومعمول الصلة لا يتقدّم على الموصول ، فلذلك احتجنا إلى إضمار عامل من لفظ المذكور.
الثالث : أنه متعلّق بالرّفث ، وذلك على رأي من يرى الاتساع في الظروف والمجرورات ، وقد تقدّم تحقيقه.
وأضيفت اللّيلة للصيام ؛ اتّساعا ، لأنّ شرط صحته ، وهو النية ، موجودة فيها ، والإضافة تحدث بأدنى ملابسة ، وإلّا فمن حقّ الظّرف المضاف إلى حدث أن يوجد ذلك الحدث في جزء من ذلك الظّرف ، والصوم في اللّيل غير معتبر ، ولكنّ المسوّغ لذلك ما ذكرت لك أو تقول : الليلة : عبارة عمّا بين غروب الشّمس إلى طلوعها ، ولمّا كان الصّيام من طلوع الفجر ، فكان بعضه واقعا في اللّيل فساغ ذلك.
والجمهور على «أحلّ» مبنيّا للمفعول للعلم به ، وهو الله تعالى ، وقرىء (٢) مبنيّا للفاعل ، وفيه حينئذ احتمالان :
__________________
(١) البيت للفند الزماني (شهل بن شيبان) ينظر في خزانة الأدب ٣ / ٤٣١ ، والدرر ٥ / ٢٥٠ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٣٨ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٤٤ ، والمقاصد النحوية ٣ / ١٢٢ ، وأمالي القالي ١ / ٢٦٠ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٦ / ١٤٧ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣٣٨ ، وهمع الهوامع ٢ / ٩٣ ، والدرر المصون ١ / ٤٧٣.
(٢) قرأ بها ابن ميسرة. انظر : الشواذ ١٢ ، والبحر المحيط ٢ / ٥٥ ، والدر المصون ١ / ٤٧٣.