أحدهما : أن يكون من باب الإضمار ؛ لفهم المعنى ، أي أحلّ الله ؛ لأنّ من المعلوم أنه هو المحلّل والمحرّم.
والثاني : أن يكون الضمير عائدا على ما عاد عليه من قوله : (فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي) وهو المتكلّم ، ويكون ذلك التفاتا ، وكذلك في قوله «لكم» التفات من ضمير الغيبة في : «فليستجيبوا ، وليؤمنوا» ، وعدّي «الرّفث» ب «إلى» ، وإنما يتعدّى بالباء ؛ لما ضمّن من معنى الإفضاء من قوله (وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ) [النساء : ٢١] كأنه قيل : أحلّ لكم الإفضاء إلى نسائكم بالرّفث. قال الواحديّ (١) : أراد بليلة الصّيام ليالي الصّيام ، فأوقع الواحد موقع الجماعة ؛ ومنه قول العبّاس بن مرداس : [الوافر]
٩٥١ ـ فقلنا أسلموا إنّا أخوكم |
|
فقد برئت من الإحن الصّدور (٢) |
قال ابن الخطيب (٣) : وأقول : فيه وجه آخر ، وهو أنّه ليس المراد من «ليلة الصّيام» ليلة واحدة ، بل المراد الإشارة إلى اللّيلة المضافة إلى هذه الحقيقة.
وقرأ عبد الله (٤) «الرّفوث» قال اللّيث وأصل الرّفث قول الفحش ، والرّفث لغة مصدر : رفث يرفث بكسر الفاء وضمها ، إذا تكلم بالفحش ، وأرفث أتى بالرّفث ؛ قال العجاج : [الرجز]
٩٥٢ ـ وربّ أسراب حجيج كظّم |
|
عن اللّغا ورفث التّكلّم (٥) |
وقال الزّجّاج : ـ ويروى عن ابن عبّاس رضي الله عنهما ـ «إنّ الرّفث كلمة جامعة لكلّ ما يريده الرجل من المرأة» ، وقيل : الرّفث : الجماع نفسه ، وأنشد : [الكامل]
٩٥٣ ـ ويرين من أنس الحديث زوانيا |
|
ولهنّ عن رفث الرّجال نفار (٦) |
وقول الآخر : [المتقارب]
٩٥٤ ـ فظلنا هنالك في نعمة |
|
وكلّ اللّذاذة غير الرّفث (٧) |
ولا دليل ؛ لاحتمال إرادة مقدّمات الجماع ؛ كالمداعبة والقبلة ، وأنشد ابن عبّاس ، وهو محرم : [الرجز]
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ٨٩.
(٢) ينظر : ديوانه (٥٢) ولسان العرب (أخا) ، والمقتضب ٢ / ١٧٤ ، وخزانة الأدب ٤ / ٤٧١ ، والخصائص ٢ / ٤٢٢ ، الأشباه والنظائر ٤ / ٢٨٥ ، تذكرة النحاة ص ١٤٤ ، وجمهرة اللغة ص ١٣٠٧ ، الرازي ٥ / ٧٩.
(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ٩٠.
(٤) انظر : المحرر الوجيز ١ / ٢٥٦ ، ٢٥٧ ، والبحر المحيط ٢ / ٥٥ ، والدرّ المصون ١ / ٤٧٣.
(٥) ينظر : ديوانه (٤٥٦) ، والخصائص ١ / ٣٣ ، والمحتسب ٢ / ٢٤٧ ، والدر المصون ١ / ٤٧٣.
(٦) ينظر : البحر المحيط ٢ / ٣٣ ، والدر المصون ١ / ٤٧٣.
(٧) ينظر : البحر المحيط ٢ / ٣٤ ، الدر المصون ١ / ٤٧٤.