وكرّم ومجّد وبجّل ، وعظّم : ما كنت جديرا بذلك يا عمر ، فقام رجال ، فاعترفوا بمثله ، فنزل قوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ)(١).
فصل
ذهب جمهور المفسّرين إلى أنّه كان في أوّل شرعنا ، إذا أفطر الصّائم ، حلّ له الأكل والشّرب والجماع ، ما لم ينم أو يصلّ العشاء الآخرة ، فإذا فعل أحدهما ، حرم عليه هذه الأشياء ، ثم إنّ الله تعالى ، نسخ ذلك بهذه الآية الكريمة (٢).
وقال أبو مسلم (٣) : هذه الحرمة ما كانت ثابتة في شرعنا ألبتّة ، بل كانت ثابتة في شرع النصارى ، فنسخ الله تعالى بهذه الآية ما كان ثابتا في شرعهم.
واحتجّ الجمهور بوجوه :
أحدها : قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) يقتضي تشبيه صومنا بصومهم ، وقد كانت هذه الحرمة ثابتة في صومهم ؛ فوجب أن يكون التشبيه ثابتا في صومنا ، لقصد أن يكون منسوخا بهذه الآية الكريمة.
الثاني : قوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ) ولو كان هذا الحلّ ثابتا لهذه الأمّة من أول الأمر ، لم يكن لقوله : «أحلّ لكم» فائدة.
الثالث : قوله سبحانه : (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ) ولو كان ذلك حلالا لهم ، لما احتاجوا إلى أن يختانوا أنفسهم.
الرابع : قوله تعالى : (فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ) [ولو لا أنّ ذلك كان محرّما عليهم ، وأنّهم أقدموا على المعصية ؛ بسبب الإقدام على ذلك الفعل ، لما صحّ قوله : (فَتابَ عَلَيْكُمْ)].
الخامس : قوله تعالى : (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ) ولو كان الحلّ ثابتا قبل ذلك كما هو الآن لم يكن لقوله تعالى : (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ) فائدة.
السادس : ما رويناه في سبب النّزول.
__________________
(١) أخرجه بهذا اللفظ الطبري في «تفسيره» (٣ / ٤٦٣ ـ ٤٦٤) وابن أبي حاتم كما في «الدر المنثور» (١ / ٣٥٧) عن ابن عباس. وأخرجه بلفظ قريب منه أحمد (٤ / ٢٩٥) والبخاري (٤ / ١١١ ـ ١١٢) وأبو داود (٢٣١٤) والترمذي (٤ / ٧١ ـ ٧٢) والنسائي (١ / ٣٥٠) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٣٥٦) وزاد نسبته لوكيع وعبد بن حميد والنحاس في ناسخه وابن المنذر عن البراء بن عازب.
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ٨٨.
(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ٨٨.