تعالى ذلك ، وأزال الشّبهة بقوله : (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ).
وعن السادس : بأنّ في الآية الكريمة ما يدلّ على ضعف هذه الرّواية ؛ لأن الرواية أنّ القوم اعترفوا بما فعلوا عند الرسول ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ وذلك خلاف قوله تعالى : (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ) ؛ لأنّ ظاهره المباشرة ، لأنّه افتعال من الخيانة.
قوله : (كُنْتُمْ تَخْتانُونَ) في محلّ رفع خبر ل «أنّ». و «تختانون» في محلّ نصب خبر ل «كان».
قال أبو البقاء (١) : و «كنتم» هنا لفظها لفظ الماضي ، ومعناها أيضا ، والمعنى : أنّ الاختيان كان يقع منهم ، فتاب عليهم منه ، وقيل : إنّه أراد الاختيان في الاستقبال ، وذكر «كان» ليحكي بها الحال ؛ كما تقول : إن فعلت ، كنت ظالما» وفي هذا نظر لا يخفى.
و «تختانون» تفتعلون من الخيانة ، وعين الخيانة واو ؛ لقولهم : خان يخون ، وفي الجمع : خونة ، يقال : خان يخون خونا ، وخيانة ، وهي ضدّ الأمانة ، وتخوّنت الشّيء تنقّصته ؛ قال زهير في ذلك البيت : [الوافر]
٩٥٦ ـ بآرزة الفقارة لم يخنها |
|
قطاف في الرّكاب ولا خلاء (٢) |
وخان السّيف إذا نبا عن الضّربة ، وخانه الدّهر ، إذا تغيّر حاله إلى الشّرّ ، وخان الرّجل الرّجل ، إذا لم يؤدّ الأمانة ، وناقض العهد خائن ، إذا لم يف ، ومنه قوله تعالى : (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً) [الأنفال : ٥٨] والمدين خائن ؛ لأنّه لم يف بما يليق بدينه ؛ ومنه قوله تعالى : (لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ) [الأنفال : ٢٧] وقال تعالى : (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ) [الأنفال : ٧١] فسمّيت المعصية بالخيانة.
وقال الزمخشريّ : «والاختيان : من الخيانة ؛ كالاكتساب من الكسب ، فيه زيادة وشدّة» ؛ يعني من حيث إنّ الزيادة في اللفظ تنبىء عن زيادة في المعنى ، كما قدّمه في قوله تعالى : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) وقيل هنا : تختانون أنفسكم ، أي : تتعهّدونها بإتيان النّساء ، وهذا يكون بمعنى التّخويل ، يقال : تخوّنه وتخوّله بالنون واللام ، بمعنى تعهّده ، إلا أنّ النون بدل من اللّام ؛ لأنه باللام أشهر.
و «علم» إن كانت المتعدية لواحد ، تكون بمعنى عرف ، فتكون «أنّ» وما في حيّزها سادّة مسدّ مفعول واحد ، وإن كانت المتعدية لاثنين ، كانت سادة مسدّ المفعولين على رأي سيبويه (٣) ـ رحمهالله ـ ومسدّ أحدهما ، والآخر محذوف على مذهب الأخفش.
__________________
(١) ينظر : الإملاء ١ / ٨٣.
(٢) ينظر : ديوانه (١٥) والخصائص ٢ / ١٥١ ، واللسان «خلا» والدر المصون ١ / ٤٧٤.
(٣) ينظر : الكتاب لسيبويه ١ / ٦٤.