فصل
دلّت الآية على أنّ الأمر بعد الحظر يقتضي الإباحة (١) ، ومن قال بأنّ مطلق الأمر للوجوب ، قالوا : إنما تركنا الظّاهر هنا للإجماع ، وفي المباشرة قولان :
أحدهما ـ وهو قول الجمهور : أنّها الجماع ، سمّي بهذا الاسم ؛ لتلاصق البشرتين (٢).
والثاني ـ قول الأصمّ : أنه محمول على المباشرات ، ولم يقصره على الجماع ، وهذا هو الأقرب إلى لفظ المباشرة ، لأنها مشتقّة من تلاصق البشرتين ، إلّا أنّهم اتفقوا على أنّ المراد بالمباشرة في هذه الآية الكريمة الجماع ؛ لأنّ السبب في هذه الرخصة كان وقوع الجماع من القوم ، وأمّا اختلافهم في قوله تعالى : (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) فحمله بعضهم على كلّ المباشرات ؛ لأنّ المعتكف ، لمّا منع من الجماع ، فلا بدّ وأن يمنع مما دونه.
فصل
في قوله تعالى : (وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) وجوه :
أحدها : الولد ، أي : لا تباشروا لقضاء الشّهوة وحدها ؛ ولكن لابتغاء ما وضع له النّكاح من التّناسل.
قال ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ : «تناكحوا تناسلوا ؛ تكثروا».
والثاني : أنّه نهي عن العزل.
__________________
(١) صيغة الأمر إذا وردت بعد الحظر ، فالأكثرون على أنها تقتضي الوجوب. وقيل : بل الإباحة. قاله القاضي أبو الطيب ، وهو ظاهر المذهب ، وإليه ذهب أكثر من تكلّم في أصول الفقه. واختار إمام الحرمين أنه على الوقف بين الإباحة والوجوب ، مع كونه أبطل الوقف في لفظه ابتداء من غير تقدم حظر. وحكي عن أبي إسحاق الإسفراييني : النهي بعد الأمر على الحظر بالإجماع ، قال : ولست أرى مسلما له ، أمّا أنا فأستحبّ الوقف عليه ، وما أرى المخالفين في الأمر بعد الحظر يسلّمون ذلك ، والخلاف ثابت كما قال الإمام ، وأما حدّ الخلاف : أن تقدم الحظر هل هو قرينة مغيرة للصيغة ، أو لأنها لا يلتفت إليها ، والصيغة باقية الدلالة.
وجزم أبو بكر الصيرفي في كتاب «الأعلام» بأنها للإباحة ، وهذا إنما عرف بدليل من خارج ، ولو كان على ظاهر لفظه ، لاقتضى الوجوب.
ينظر : البرهان ١ / ٢٦٣ ، المعتمد ١ / ٨٢ ، المحصول ١ / ٢ / ١٥٩ ، التبصرة (٣٨) ، العدة ١ / ٢٥٦ ، المستصفى ١ / ٦٨ ، المنخول (١٣١) الإحكام للآمدي ٢ / ١٦٥ (٨) ، اللمع (٨) شرح الكوكب المنير ٣ / ٥٦ ، جمع الجوامع ١ / ٣٧٨ ، شرح العضد ٢ / ٩١ ، روضة الناظر (١٠٢) ، المنتهى لابن الحاجب (٧١) المسودة (١٦) الإبهاج ٢ / ٤٢ ، كشف الأسرار ١ / ١٢٠ ، تيسير التحرير ٢ / ٣٤٥ ، فواتح الرحموت ١ / ٣٧٩ ، أصول السرخسي ١ / ١٩ ، القواعد والفوائد ص ١٦٥ ، التقرير والتحبير ١ / ٣٠٨ ، ميزان الأصول ١ / ٢٢٨.
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ٩٢.