خيطا ؛ لأن ما يبدو من البياض يرى ممتدّا ؛ كالخيط. قال الشّاعر : [البسيط]
٩٥٩ ـ ألخيط الأبيض ضوء الصّبح منفلق |
|
والخيط الأسود جنح اللّيل مكتوم (١) |
والخيط في كلامهم عبارة عن اللون ، قاله القرطبيّ (٢) ، وأنشد لأبي دؤاد الإياديّ في ذلك فقال : [المتقارب]
٩٦٠ ـ فلمّا أضاءت له سدفة |
|
ولاح من الصّبح خيط أنارا (٣) |
وقد تسمّيه العرب أيضا الصّديع ، ومنه قولهم : انصدع الفجر ؛ قال بشر بن أبي خازم ، أو عمرو بن معديكرب : [الوافر]
٩٦١ ـ ترى السّرحان مفترشا يديه |
|
كأنّ بياض لبّته صديع (٤) |
وهذا النوع من باب التشبيه لا من الاستعارة ؛ لأنّ الاستعارة هي أن يطوى فيها ذكر المشبّه ، وهنا قد ذكر وهو قوله : «من الفجر» ، ونظيره قولك : «رأيت أسدا من زيد» ، لو لم تذكر : «من زيد» لكان استعارة ، ولكنّ التشبيه هنا أبلغ ؛ لأنّ الاستعارة لا بدّ فيها من دلالة حالية ، وهنا ليس ثمّ دلالة ، ولذلك مكث بعض الصحابة يحمل ذلك على الحقيقة مدة ، حتّى نزل «من الفجر» فتركت الاستعارة ، وإن كانت أبلغ لما ذكرنا.
فإن قيل : إنّ بياض الصّبح المشبه بالخيط الأسود هو بياض الصبح الكاذب ؛ لأنّه مستطيل كشبه الخيط ، وأما الصّبح الصادق ، فهو بياض مستدير مستطيل في الأفق ، فلزم على مقتضى الآية أن يكون أوّل النهار من طلوع الصّبح الكاذب ، وليس كذلك بالإجماع.
فالجواب : أنّ قوله «من الفجر» بيّن أن المراد به الصّبح الصادق ، لا يكون منتشرا ، بل يكون صغيرا دقيقا ، فالصادق أيضا يبدو دقيقا ، ويرفع مستطيلا. والفجر مصدر قولك فجرت الماء أفجره فجرا وفجّرته تفجيرا ، قال الأزهريّ : الفجر أصله الشّقّ ، فعلى هذا هو انشقاق ظلمة اللّيل بنور الصّبح.
فصل
زعم أبو مسلم الأصفهاني (٥) : أنه لا شيء من المفطّرات إلّا أحد هذه الثّلاث ، وما ذكره الفقهاء من تكلّف القيء والحقنة والسّعوط ، فلا يفطر شيء منها.
قال : لأنّ كلّ هذه الأشياء كانت مباحة ثم دلّت هذه الآية الكريمة على حرمة هذه الثلاثة على الصّائم بعد الفجر ، وبقي ما سواها على الإباحة الأصليّة ، والفقهاء قالوا : خصوا هؤلاء بالذّكر ؛ لأنّ النّفس تميل إليهما.
__________________
(١) ينظر : القرطبي ٢ / ٢١٤.
(٢) ينظر : تفسير القرطبي ٢ / ٢١٤.
(٣) ينظر : القرطبي ٢ / ٢١٤.
(٤) ينظر : القرطبي ٢ / ٢١٤.
(٥) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ٩٤.