الصّوم الذي أوجبه الاعتكاف ، إمّا صوم آخر غير صوم رمضان ، وهو باطل ؛ لأن رمضان لا يصحّ فيه غيره ، وأيضا ما روي عن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال : يا رسول الله ، إنّي نذرت في الجاهليّة أن أعتكف ليلة ، فقال ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ : «أوف بنذرك» (١) والصّوم لا يجوز في اللّيل.
فصل
روى مسلم عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا أراد أن يعتكف صلّى الفجر ثم دخل معتكفه (٢).
وقال مالك والشافعيّ وأبو حنيفة ـ رضي الله عنهم ـ إذا نذر اعتكاف شهر دخل المسجد قبل غروب الشمس من ليلة ذلك اليوم.
فصل في أقل مدة الاعتكاف
لا تقدير لزمان الاعتكاف فلو نذر اعتكاف ساعة ، انعقد ، ولو نذر الاعتكاف مطلقا ، لخرج من نذره باعتكاف ساعة ؛ كما لو نذر أن يتصدّق مطلقا ، فإنه يتصدق بما شاء من قليل أو كثير ، والأفضل أن يعتكف يوما للخروج من الخلاف ، فإنّ أبا حنيفة لا يجوّز اعتكاف أقلّ من يوم ، بشرط أن يدخل قبل طلوع الفجر ، ويخرج بعد غروب الشمس.
فصل
قال القرطبيّ ـ رحمهالله تعالى (٣) ـ : إذا أتى المعتكف كبيرة ، بطل اعتكافه ؛ لأنّ الكبيرة ضدّ العبادة ، كما أنّ الحدث ضدّ الطهارة والصّلاة.
قوله : (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ) مبتدأ وخبر ، واسم الإشارة أخبر عنه بجمع ، فلا جائز أن يشار به إلى ما نهي عنه في الاعتكاف ، لأنه شيء واحد ، بل هو إشارة إلى ما تضمّنته آية الصيام من أوّلها إلى هنا ، وآية الصيام قد تضمّنت عدة أوامر ، والأمر بالشّيء نهي عن
__________________
(١) أخرجه البخاري (٤ / ٣٢١ ـ ٣٢٢) كتاب الاعتكاف باب الاعتكاف ليلا رقم (٢٠٣٢) ومسلم (٢ / ١٢٧٧) كتاب الإيمان باب نذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم رقم (٢٧ ـ ١٦٥٦) وأبو داود (٣٣١٢ ، ٣٣٢٥) والترمذي (١٥٣٩) وابن ماجه (٢١٣٠ ، ٢١٣١) وأحمد (١ / ٣٧) ، (٣ / ٤١٩ ، ٦ / ٣٦٦) والبيهقي (٤ / ٣١٨ ، ١٠ / ٧٦ ـ ٧٧ ، ٨٣ ، ٨٤) وابن الجارود (٩٤١) والبغوي في «شرح السنة» (٣ / ٥٥٥) وابن سعد (٨ / ٢٢٢) وأبو نعيم في «الحلية» (١ / ٤٠ ، ٩ / ٣٩).
(٢) أخرجه مسلم كتاب الاعتكاف باب ٢ رقم (٦) وأبو داود (٢٤٦٤) والترمذي (٧٩١) والنسائي كتاب المساجد باب ١٨ وابن ماجه (١٧٧١) والبيهقي (٤ / ٣١٥) وعبد الرزاق (٨٠٣١) والحميدي في «مسنده» (١٩٥) وابن الجارود في «المنتقى» (٤٠٨).
(٣) ينظر : تفسير القرطبي ٢ / ٢٢٤.