قوله : (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ) الكاف في محلّ نصب : إمّا نعتا لمصدر محذوف ، أي : بيانا مثل هذا البيان.
فإنّه لما بيّن أحكام الصّوم على الاستقصاء في هذه الآية بالألفاظ القليلة بيانا شافيا وافيا ـ قال بعده : (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ) أي مثل هذا البيان الوافي الواضح.
أو حالا من المصدر المحذوف ؛ كما هو مذهب سيبويه.
قال أبو مسلم (١) : أراد بالآيات الفرائض الّتي بيّنها ؛ كما قال سبحانه (سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ) [النور : ١] ثم فسّر الآيات بقوله : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) [النور : ٢] إلى سائر ما بيّنه من أحكام الزّنا ، فكأنه تعالى قال : كذلك يبيّن الله آياته للنّاس ما شرعه لهم ؛ ليتّقوه ، فينجوا من عذاب الله.
قوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)(١٨٨)
قوله : (بَيْنَكُمْ :) في هذا الظرف وجهان :
أحدهما : أن يتعلّق ب «تأكلوا» بمعنى : لا تتناقلوها فيما بينكم بالأكل.
والثاني : أنه متعلّق بمحذوف ؛ لأنه حال من «أموالكم» أي : لا تأكلوها كائنة بينكم ، وقدّره أبو البقاء (٢) أيضا بكائنة بينكم ، أو دائرة بينكم ؛ وهو في المعنى كقوله : (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ) [البقرة : ٢٨٢] ، وفي تقدير «دائرة» ـ وهو كون مقيّد ـ نظر ، إلّا أن يقال : دلّت الحال عليه.
قوله : «بالباطل» فيه وجهان :
أحدهما : تعلّقه بالفعل ، أي : لا تأخذوها بالسبب الباطل.
الثاني : أن يكون حالا ؛ فيتعلّق بمحذوف ، ولكن في صاحبها احتمالان :
أحدهما : أنه المال ؛ كأنّ المعنى : لا تأكلوها ملتبسة بالباطل.
والثاني : أن يكون الضمير في «تأكلوا» كأنّ المعنى : لا تأكلوها مبطلين ، أي : ملتبسين بالباطل.
فصل في سبب نزول الآية
قيل : نزلت هذه الآية في امرىء القيس بن عابس الكندي ، ادعى عليه ربيعة بن عبدان الحضرميّ عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم أرضا ، فقال : إنه غلبني عليها ، فقال النّبيّ ـ صلوات الله وسلامه عليه دائما أبدا ـ للحضرميّ : «ألك بيّنة»؟ قال : لا ؛ قال : «فلك يمينه» فانطلق
__________________
(١) ينظر تفسير الفخر الرازي ٥ / ٩٩.
(٢) ينظر : الإملاء ١ / ٨٤.