وقوله «فريقا» أي : طائفة من أموال النّاس ، والمراد «بالإثم» الظلم ، وقال ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ «الإثم» هنا هو اليمين الكاذبة (١).
فصل في الفسق بأخذ ما يطلق عليه اسم مال
قال القرطبيّ (٢) : اتّفق أهل السّنّة على أنّ من أخذ ما وقع عليه اسم مال ، قلّ أو كثر ، فإنّه يفسّق بذلك ، وأنه يحرم عليه أخذه ؛ خلافا لبشر بن المعتمر ، ومن تابعه من المعتزلة ؛ حيث قالوا : إنّ المكلّف لا يفسّق إلّا بأخذ مائتي درهم ، ولا يفسّق بدون ذلك. وقال ابن الجبّائيّ : لا يفسّق إلّا بأخذ عشرة دراهم ، ولا يفسّق بما دونها.
وقال أبو الهذيل : يفسّق بأخذ خمسة دراهم ، فما فوقه ، ولا يفسّق بما دونها ، وهذا كلّه مردود بالقرآن ، والسّنّة ، وباتفاق علماء الأمّة بقوله ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ : «إنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام» (٣).
وقوله تعالى : (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) جملة في محلّ نصب على الحال من فاعل «لتأكلوا» وذلك على رأي من يجيز تعدّد الحال ، وأمّا من لا يجيز ذلك ، فيجعل «بالإثم» غير حال.
والمعنى : وأنتم تعلمون أنّكم مبطلون ، ولا شكّ أن الإقدام على القبيح ، مع العلم بقبحه أقبح ، وصاحبه بالتّوبيخ أحقّ ، وروي عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : اختصم رجلان إلى النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، عالم بالخصومة ، وجاهل بها ، فقضى رسول الله صلىاللهعليهوسلم للعالم ، فقال من قضي عليه : يا رسول الله ، والّذي لا إله إلّا هو ، إنّي محقّ بحقّ فقال : إن شئت أعاوده ، فعاوده ، فقضى للعالم ، فقال المقضيّ عليه مثل ما قال أوّلا ، ثمّ عاوده ثالثا ، فقال النّبيّ صلىاللهعليهوسلم : «من اقتطع حقّ امرىء مسلم بخصومته ، فإنّما اقتطع قطعة من النّار» فقال العالم المقضيّ له : يا رسول الله ، إنّ الحقّ حقّه ، فقال ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ : «من اقتطع بخصومته وجدله حقّ غيره ، فليتبوّأ مقعده من النّار» (٤).
__________________
(١) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٦٠.
(٢) ينظر : تفسير القرطبي ٢ / ٢٢٧.
(٣) أخرجه البخاري (٧ / ١٨٢) كتاب الأضاحي باب من قال الأضحى يوم النحر (٥٥٥٠) ومسلم كتاب القيامة (٢٩ ، ٣٠ ، ٣١) وأحمد (٥ / ٤٠) والبيهقي (٥ / ١٦٦ ، ٨ / ١٩) والطبراني في «الكبير» (٥ / ٣١٦) وابن خزيمة (٢٨٠٩) وأبو نعيم في «الحلية» (٤ / ٣٤٣) وابن سعد (٢ / ١ / ١٣٢) وابن عبد البرّ في «التمهيد» (١٠ / ٢٣١) والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (٤ / ١٥٩) والبخاري في «التاريخ الكبير» (٧ / ٨٥) وابن عساكر (٦ / ٥٨) والبغوي في تفسيره (٣ / ٩١) والبيهقي في «دلائل النبوة» (٥ / ٣٩ ، ٤٤٢).
(٤) أخرجه مسلم كتاب الإيمان رقم (٢١٨) والنسائي (٨ / ٢٤٦) وأبو عوانة (١ / ٣٢) وأحمد (٥ / ٢٦٠) والبيهقي (١٠ / ١٧٩) والطبراني في «الكبير» (١ / ٢٤٦) والبغوي في «تفسيره» (١ / ٣٧٠) والطحاوي في «مشكل الآثار» (١ / ١٨٦) وذكره المتقي الهندي في «كنز العمال» رقم (٤٦٣٥٣ ، ٤٦٣٧٣).
وانظر : تفسير القرطبي (٤ / ١٢٠) ، (٥ / ١٥٩) ، (٦ / ٢٦٨).