قلنا : نعم ، ولكنّ الصوم قد يسقط فعله عن الحائض ، والنّفساء ، والمسافر ، ويوقعون قضاءه في غيره من الأشهر ؛ بخلاف الحجّ ؛ فإنّه إذا لم يصحّ فعله في وقته ، لا يقضى في غيره من الأشهر.
واحتجّ مالك ـ رحمهالله تعالى ـ وأبو حنيفة بهذه الآية على أنّ الإحرام بالحجّ في غير أشهر يصحّ ، فإن الله تعالى جعل الأهلّة كلها ظرفا لذلك.
قال القفّال : إفراد الحجّ بالذّكر إنّما كان لبيان أن الحجّ مقصور على الأشهر التي عيّنها الله تعالى لفرضه ؛ وأنه لا يجوز نقل الحجّ من تلك الأشهر إلى شهر آخر ؛ كما كانت العرب تفعل ذلك في النسيء ؛ فأفرد بالذّكر ، وكأنه تخصيص بعد تعميم ؛ إذ قوله تعالى (مَواقِيتُ لِلنَّاسِ) ليس المعنى لذوات الناس ، بل لا بدّ من مضاف ، أي : مواقيت لمقاصد النّاس المحتاج فيها للتأقيت ، ففي الحقيقة ليس معطوفا على الناس ، بل على المضاف المحذوف الذي ناب «النّاس» منابه في الإعراب.
وقرأ الجمهور «الحج» بالفتح في جميع القرآن الكريم إلا حمزة والكسائيّ وحفصا عن عاصم ، فقرءوا (١)(حِجُّ الْبَيْتِ) [آل عمران : ٩٧] بالكسر ، وقرأ الحسن ، وابن أبي إسحاق بالكسر في جميع القرآن ، وهل هما بمعنى واحد ، أو مختلفان؟ قال سيبويه (٢) : «هما مصدران» ؛ فالمفتوح كالرّدّ والشّدّ ، والمكسور كالذّكر ، وقيل : بالفتح : مصدر ، وبالكسر : اسم.
فصل في الرد على أهل الظّاهر
قال القرطبيّ (٣) : هذه الآية الكريمة تردّ على أهل الظّاهر ، ومن وافقهم في أنّ المساقاة تجوز إلى الأجل المجهول سنين غير معلومة ؛ واحتجّوا بأنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم وشرّف ، وكرّم ، ومجّد ، وبجّل ، وعظّم ، عامل أهل خيبر على شطر الزّرع والنّخل بما بدا لرسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ، وشرّف ، وكرّم ، ومجّد ، وبجّل ، وعظّم ـ من غير توقيت ، وقال : وهذا لا دليل فيه ؛ لأنّه ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ قال لليهود : «أقرّكم ما أقرّكم الله» (٤)
__________________
ـ وأخرجه مسلم (٣ / ١٢٥) والنسائي (١ / ٣٠٢) وابن الجارود في «المنتقى» (٣٩٥) والدارقطني (٢٢٩) وأحمد (٢ / ٢٦٣) والطيالسي (٢٣٠٦) من طرق عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا.
وأخرجه الترمذي (١ / ١٣٣) وأحمد (٢ / ٢٥٩) من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا وقال الترمذي : حديث حسن صحيح.
(١) انظر : السبعة ١٧٨ ، والحجة ٢ / ٢٧٨.
(٢) ينظر : الكتاب ٢ / ٢١٦.
(٣) ينظر : تفسير القرطبي ٢ / ٢٢٨.
(٤) أخرجه البخاري (٤ / ٢١١) كتاب الجزية والموادعة باب إخراج اليهود. ومالك في «الموطأ» (٧٠٣) والشافعي (١١٧٦ ، ١٣٣٥ ـ بدائع) وفي «مسنده» (٩٥ ، ٢٢٢) وابن عبد البر في «التمهيد» (٦ / ٤٤٨).