وعظّم : «إنّي أحمس» فقال الرّجل : «إن كنت أحمسيا ، فإني أحمسي ، رضيت بهديك ، وسمتك ، ودينك» ، فأنزل الله تعالى هذه الآية الكريمة (١).
قال الزّهريّ : كان ناس من الأنصار ، إذا أهلّوا بالعمرة ، لم يحل بينهم وبين السّماء شيء ، وكان الرّجل يخرج مهلّا بالعمرة ، فتبدو له الحاجة بعد ما يخرج من بيته ؛ فيرجع ، ولا يدخل من باب الحجرة من أجل سقف البيت أن يحول بينه وبين السّماء ، فيفتح الجدار من ورائه ، ثمّ يقوم في حجرته فيأمر بحاجته ؛ حتى بلغنا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وشرّف ، وكرّم ، ومجّد ، وبجّل ، وعظّم : أهلّ زمن الحديبية بالعمرة ، فدخل حجرة ، فدخل رجل على أثره من الأنصار من بني سلمة ، فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم وشرّف ، وكرّم ، ومجّد ، وبجّل ، وعظّم : «لم فعلت ذلك؟» قال : «لأنّي رأيتك دخلت ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وشرّف ، وكرّم ، ومجّد ، وبجّل ، وعظّم : «إني أحمسي» فقال الأنصاريّ : وأنا أحمسي ، وأنا على دينك ، فأنزل الله تعالى الآية الكريمة (٢).
فصل في اختلافهم في تفسير الآية
ذكروا في تفسير الآية ثلاثة أوجه :
أحدها : ـ وهو قول أكثر المفسرين ـ وهو حمل الآية الكريمة على ما قدّمناه في سبب النّزول ، ويصعب نظم الآية الكريمة عليه ؛ فإنّ القوم سألوا عن الحكمة في تغيير لون القمر ، فذكر الله تعالى الحكمة في ذلك ، وهي قوله : (مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ) فأيّ تعلّق بين بيان الحكمة في اختلاف نور القمر ، وبين هذه القصّة ، فذكروا وجوها :
أحدها : أنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ لمّا ذكر أنّ الحكمة في اختلاف أحوال الأهلّة جعلها مواقيت للنّاس والحجّ ، وكان هذا الأمر من الأشياء التي اعتبرها في الحجّ ، لا جرم ذكرها الله تعالى.
وثانيها : أنه تعالى إنّما وصل قوله : (وَلَيْسَ الْبِرُّ) أن (تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها) بقوله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ) ؛ لأنّه إنما اتّفق وقوع القصّتين في وقت واحد ، فنزلت الآية الكريمة فيهما معا في وقت واحد ، ووصل أحد الأمرين بالآخر.
وثالثها : كأنّهم لمّا سألوا عن الحكمة في اختلاف حال الأهلّة ، فقيل لهم : اتركوا السّؤال عن هذا الأمر الذي لا يعنيكم ، وارجعوا إلى البحث ، عمّا هو أهمّ لكم ؛ فإنّكم تظنّون أنّ إتيان البيوت من ظهورها برّ ؛ وليس الأمر كذلك.
الوجه الثاني من تفسير الآية : أنّ قوله تعالى : «و (لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ٥٥٧) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٣٦٩) وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر عن قيس بن جبير النهشلي وذكره الحافظ ابن حجر في «الإصابة» (٢ / ٢٠٩).
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ٥٥٨) عن الزهري وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٣٦٩).