و «ثقفتموهم» في محلّ خفض بالظرف ، و «ثقفتموهم» أي : ظفرتم بهم ، ومنه : «رجل ثقيف» : أي سريع الأخذ لأقرانه ، قال [الوافر]
٩٦٨ ـ فإمّا تثقفوني فاقتلوني |
|
فمن أثقف فليس إلى خلود (١) |
وثقف الشّيء ثقافة ، إذا حذقه ، ومنه الثّقافة بالسّيف ، وثقفت الشّيء قوّمته ، ومنه الرماح المثقّفة ؛ قال القائل : [الطويل]
٩٦٩ ـ ذكرتك والخطّيّ يخطر بيننا |
|
وقد نهلت منّا المثقّفة السّمر (٢) |
ويقال : ثقف يثقف ثقفا وثقفا ورجل ثقف لقف ، إذا كان محكما لما يتناوله من الأمور.
قال القرطبي (٣) : وفي هذا دليل على قتل الأسير.
قوله : «من حيث» متعلّق بما قبله ، وقد تصرف في «حيث» بجرّها ب «من» كما جرّت ب «الياء» و «في» وبإضافة «لدى» إليها ، و «أخرجوكم» في محلّ جرّ بإضافتها إليه ، ولم يذكر «للفتنة» ولا «للقتل» ـ وهما مصدران ـ فاعلا ولا مفعولا ؛ إذ المراد إذا وجد هذان ، من أيّ شخص كان بأيّ شخص كان ، وقد تقدّم أنه يجوز حذف الفاعل مع المصدر.
فصل فيما قيل في النسخ بهذه الآية
هذا الخطاب للنّبيّ ـ صلىاللهعليهوسلم وشرّف ، وكرّم ، ومجّد ، وبجّل ، وعظّم ـ وأصحابه يعني اقتلوهم ، حيث أبصرتم مقاتلتهم وتمكّنتم من قتلهم ، حيث كانوا في الحلّ ، أو الحرم ، وفي الشّهر الحرام «وأخرجوهم من حيث أخرجوكم» وذلك أنّهم أخرجوا المسلمين من مكّة ؛ فقال : أخرجوهم من ديارهم كما أخرجوكم من دياركم ، ويحتمل أنّه أراد : كما أخرجوكم من موضعكم الّذي كنتم فيه وهو «مكّة» ويحتمل أنه أراد كما أخرجوكم من منازلكم ، ففي الآية الأولى : أمر بقتالهم ؛ بشرط إقدامهم على المقاتلة ، وفي هذه الآية : زاد في التكليف ، وأمر بقتالهم ، سواء قاتلوا ، أو لم يقاتلوا ، واستثنى [عنه] المقاتلة عند المسجد الحرام ، ونقل عن مقاتل (٤) أنه قال : إنّ قوله «وقاتلوا في سبيل الله الّذين يقاتلونكم» منسوخ بقوله (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) [البقرة : ١٩٣] قال ابن الخطيب (٥) :
__________________
(١) ينظر : الكشاف ١ / ٢٣٦ ، والدر المصون ١ / ٤٨٠.
(٢) البيت لأبي عطاء السندي. ينظر : الحماسة ١ / ٦٦ ، والمغني ٢ / ٤٢٦ ، وشرح المفصل ٢ / ٦٧ ، والبحر المحيط ٢ / ٦٧ ، والدر المصون ١ / ٤٨٠.
(٣) ينظر : تفسير القرطبي ٢ / ٢٣٤.
(٤) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١١١.
(٥) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١١١.