فصل
وهذا بيان بشرط كيفيّة قتالهم في هذه البقعة خاصّة ، وكان من قبل شرطا في كلّ قتال وفي الأشهر الحرم ؛ وقد تمسّك به الحنفيّة في قتل الملتجىء إلى الحرم ، وقالوا : لمّا لم يجز القتل عند المسجد الحرام ؛ بسبب جناية الكفر فبأن لا يجوز القتل في المسجد الحرام بسبب الذّنب الذي هو دون الكفر أولى.
قوله : (كَذلِكَ جَزاءُ) فيه وجهان :
أحدهما : أنّ الكافر في محلّ رفع بالابتداء ، و «جزاء الكافرين» خبره ، أي : مثل ذلك الجزاء جزاؤهم ، وهذا عند من يرى أن الكاف اسم مطلقا ، وهو مذهب الأخفش.
والثاني : أن يكون «كذلك» خبرا مقدّما ، و «جزاء» مبتدأ مؤخّرا ، والمعنى : جزاء الكافرين مثل ذلك الجزاء ، وهو القتل ، و «جزاء» مصدر مضاف لمفعوله ، أي : جزاء الله الكافرين ، وأجاز أبو البقاء (١) أن يكون «الكافرين» مرفوع المحلّ على أن المصدر مقدّر من فعل مبنيّ للمفعول ، تقديره : كذلك يجزى الكافرون ، وقد تقدّم لنا الخلاف في ذلك.
قوله تعالى (فَإِنِ انْتَهَوْا ، فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي : لهم. ومتعلق الانتهاء محذوف أي : عن القتال ، و «انتهى» «افتعل» من النّهي ، وأصل «انتهوا» «انتهيوا» فاستثقلت الضّمة على الياء ؛ فحذفت فالتقى ساكنان ؛ فحذفت الياء ؛ لالتقاء الساكنين ، أو تقول : تحرّكت الياء ، وانفتح ما قبلها ؛ فقلبت ألفا ؛ فالتقى ساكنان ؛ فحذفت الألف ، وبقيت الفتحة تدلّ عليها.
فصل في اختلافهم في متعلّق الانتهاء
هذا البيان لبقاء هذا الشّرط في قتالهم قال ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ فإن انتهوا عن القتال (٢) ؛ لأنّ المقصود من الإذن في القتال منع الكفّار عن المقاتلة.
وقال الحسن : فإن انتهوا عن الشّرك (٣) ؛ لأنّ الكافر لا ينال المغفرة والرّحمة بترك القتال ، بل بترك الكفر.
فصل في دلالة الآية على قبول التّوبة من كلّ ذنب
دلّت الآية على أنّ التوبة من كلّ ذنب مقبولة ومن قال : إنّ التوبة عن قتل العمد غير مقبولة ، فقد أخطأ ؛ لأنّ الشرك أشدّ من القتل ، فإذا قبل الله توبة الكافر ، فقبول توبة
__________________
(١) ينظر : الإملاء ١ / ٨٥.
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١١٢.
(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١١٣.