فصل في معاني الفتنة في القرآن
قال أبو العبّاس المقري : ورد لفظ الفتنة في القرآن بإزاء سبعة معان :
الأول : الفتنة : الكفر ؛ قال تعالى (فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ) [آل عمران : ٧] يعني : طلب الكفر.
الثاني : الفتنة الصرف قال تعالى : (وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ) [المائدة : ٤٩].
الثالث : الفتنة : البلاء ؛ قال تعالى (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) [العنكبوت : ٣].
الرابع : الفتنة : الإحراق ؛ قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ) [البروج : ١٠] ، أي : حرّقوهم ؛ ومثله (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) [الذاريات : ١٣].
الخامس : الفتنة الاعتذار قال تعالى : (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا) [الأنعام : ٢٣].
السادس : الفتنة : القتل ، قال تعالى (إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) [النساء : ١٠١] ، أي : يقتلوكم.
السابع : الفتنة : العذاب ؛ قال تعالى (جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ) [العنكبوت : ١٠].
قوله (فَإِنِ انْتَهَوْا) ، أي : عن الكفر وأسلموا ، «فلا عدوان» أي : فلا سبيل (إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) قاله ابن عبّاس ، ويدلّ عليه قوله تعالى : (قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ) [القصص : ٢٨] ، أي : فلا سبيل (١) عليّ ، وقال أهل المعاني العدوان : الظّلم ، أي : فإن أسلموا ، فلا نهب ، ولا أسر ، ولا قتل إلّا على الظالمين الّذين بقوا على الشّرك ؛ قال تعالى (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان : ١٣] وسمّى قتل الكفّار عدوانا ، وهو في نفسه حقّ ، لأنّه جزاء عن العدوان ؛ على طريق المجاز ، والمقابلة ؛ لقوله (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ) [البقرة : ١٩٤] ، (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) [الشورى : ٤٠] (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ) [آل عمران : ٥٤] (فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ) [التوبة : ٧٩].
وقيل : معنى الآية الكريمة إن تعرّضتم لهم بعد انتهائهم عن الشّرك والقتال ، كنتم أنتم ظالمين ، فنسلّط عليكم من يعتدي عليكم.
قوله : إلّا على الظّالمين» في محلّ رفع خبر «لا» التبرئة ، ويجوز أن يكون خبرها محذوفا ، تقديره : لا عدوان على أحد ؛ فيكون (إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) بدلا على إعادة العامل ، وهذا الجملة ، وإن كانت بصورة النّفي ، فهي في معنى النّهي ؛ لئلا يلزم الخلف في خبره تعالى والعرب إذا بالغت في النهي عن الشيء ، أبرزته في صورة النفي المحض ؛ كأنه ينبغي ألّا يوجد البتة ؛ فدلّوا على هذا المعنى بما ذكرت لك ، وعكسه في الإثبات ،
__________________
(١) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٦٣.