وقوله (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ) يجوز في «من» وجهان :
أحدهما : أن تكون شرطية ، وهو الظاهر ؛ فتكون الفاء جوابا.
والثاني : أن تكون موصولة ؛ فتكون الفاء زائدة في الخبر ، وقد تقدّم نظيره.
قوله : (بِمِثْلِ مَا اعْتَدى) في الباء قولان :
أحدهما : أن تكون غير زائدة ، بل تكون متعلّقة ب «اعتدوا» والمعنى : بعقوبة مثل جناية اعتدائه.
والثاني : أنها زائدة ، أي : مثل ما اعتدى به ؛ فتكون : إمّا نعتا لمصدر محذوف ، أي : اعتداء مماثلا لاعتدائه ، وإمّا حالا من المصدر المحذوف ، كما هو مذهب سيبويه ـ رحمهالله تعالى ـ أي : فاعتدوا الاعتداء مشبها اعتداءه ، و «ما» يجوز أن تكون مصدرية ، فلا تفتقر إلى عائد ، وأن تكون موصولة ؛ فيكون العائد محذوفا ، أي : بمثل ما اعتدى عليكم به ، وجاز حذفه ؛ لأنّ المضاف إلى الموصول قد جرّ بحرف قد جرّ به العائد ، واتّحد المتعلّقان وقد تقدّم معنى تسمية المجازاة بالاعتداء.
فصل في اختلافهم في تسمية المكافأة عدوانا
قال القرطبيّ (١) : اختلف النّاس في المكافأة ، هل تسمّى عدوانا ، أم لا؟ فمن قال : ليس في القرآن مجاز ، قال : المقابلة عدوان ، وهو عدوان مباح ، كما أنّ المجاز في كلام العرب كذب مباح ؛ لأن قوله : [الطويل]
٩٧١ ـ فقالت له العينان سمعا وطاعة |
|
.......... (٢) |
وقوله : [الرجز]
٩٧٢ ـ إمتلأ الحوض وقال قطني (٣)
وقوله : [الرجز]
٩٧٣ ـ شكا إليّ جملي طول السّرى (٤)
__________________
(١) ينظر : تفسير القرطبي ٢ / ٢٣٧ ـ ٢٣٨.
(٢) ينظر : القرطبي ٢ / ٢٣٨.
(٣) البيت من الرجز الذي لا يعرف قائله وبعده :
مهلا رويدا قد ملأت بطني
ينظر : شرح المفصل ١ / ٨٢ ، ٢ / ١٣١ ، والخصائص ١ / ٢٣ ، ورصف المباني ص ٣٦٢ ، تخليص الشواهد ص ١١١ ، أمالي المرتضى ٢ / ٣٠٩ ، الإنصاف ص ١٣٠ ، إصلاح المنطق ص ٥٧ ، جواهر الأدب ص ١٥١ ، سمط اللآلي ص ٤٧٥ ، شرح الأشموني ١ / ٥٧ ، كتاب اللامات ص ١٤٠ ، والمقاصد النحوية ١ / ٣٦١ ، ولسان العرب (قطط) ، (قطن) ، والقرطبي ٢ / ٢٣٨.
(٤) ينظر : القرطبي ٢ / ٢٣٨.