ومعلوم أنّ هذه الأشياء لا تنطق ، وحدّ الكذب الإخبار عن الشّيء بخلاف ما هو به.
ومن قال : في القرآن مجاز : سمّى هذا عدوانا مجازا على طريق المقابلة كقول عمرو بن كلثوم: [الوافر]
٩٧٤ ـ ألا لا يجهلن أحد علينا |
|
فنجهل فوق جهل الجاهلينا (١) |
وقول الآخر : [الطويل]
٩٧٥ ـ ولي فرس للحلم بالحلم ملجم |
|
ولي فرس للجهل بالجهل مسرج |
ومن رام تقويمي فإنّي مقوّم |
|
ومن رام تعويجي فإنّي معوّج (٢) |
يريد أكافىء الجاهل والمعوجّ لا أنّه امتدح بالجهل والاعوجاج.
قوله «واتّقوا» قد تقدّم معنى «التّقوى».
وقوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) ، أي : بالمعونة ، والنّصرة ، والحفظ ، وهذا من أقوى الدّلائل على أنّه ليس بجسم ، ولا في مكان ؛ إذ لو كان جسما ، لكان في مكان معيّن ؛ فكان إمّا أن يكون مع أحد منهم ، ولم يكن مع الآخر ، أو يكون مع كلّ واحد من المتّقين جزء من أجزائه ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.
قوله تعالى : (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(١٩٥)
اعلم أنّ تعلّق هذه الآية الكريمة بما قبلها من وجهين :
الأول : أنّه تعالى ، لمّا أمره بالقتال وهو لا يتيسّر إلّا بآلات وأدوات يحتاج فيها إلى المال ، وربّما كان ذو المال عاجزا عن القتال ، وكان الشّجاع القادر على القتال عديم المال فقيرا ، فلهذا أمر الله تعالى الأغنياء بأن ينفقوا على الفقراء الّذين يقدرون على القتال (٣).
والثاني : يروى أنّه لمّا نزل قوله تعالى : (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ ، وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ) قال رجل من الحاضرين : والله ، يا رسول الله ما لنا زاد ، وليس أحد يطعمنا ؛ فأمر رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم وشرّف ، وكرّم ، وبجّل ، وعظّم ـ أن ينفقوا في سبيل الله ، وأن يتصدّقوا وألّا يكفّوا أيديهم عن الصّدقة ، ولو بشقّ تمرة تحمل في سبيل الله فيهلكوا ، فنزلت الآية الكريمة على وفق رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم وشرّف ، وكرّم ، وبجّل ، وعظّم ـ (٤).
__________________
(١) تقدم برقم ٢١٤.
(٢) ينظر : القرطبي ٢ / ٢٣٨.
(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١١٥.
(٤) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١١٥.