وإنما كثر استعماله في من نفع غيره بنفع حسن ، من حيث إنّ الإحسان حسن في نفسه ، وعلى هذا [التّقدير] فالضرب ، والقتل إذا حسنا ، كان فاعلهما محسنا.
وقيل : مشتقّ من الإحسان ؛ ففاعل الحسن لا يوصف بكونه محسنا ؛ إلّا إذا كان فعله حسنا ، وإحسانا معا ؛ فهذا الاشتقاق إنّما يحصل من مجموع الأمرين.
قال الأصمّ : أحسنوا في فرائض الله (١).
وقيل : أحسنوا في الإنفاق على من يلزمكم نفقته ، والمقصود منه أن يكون ذلك الإنفاق وسطا من غير إسراف ، ولا تقتير ، وهذا أقرب لاتصاله بما قبله ، ويمكن حمل الآية على الجميع.
(إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [تقدم تفسيره].
قوله تعالى : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ)(١٩٦)
الحجّ : في اللغة عبارة عن القصد ، وإنما يقال حجّ فلان الشيء ، إذا قصده مرّة بعد أخرى ، وأدام الاختلاف إليه ، و «الحجّة» بكسر الحاء : السّنة ، وإنما قيل لها حجّة ؛ لأن الناس يحجّون في كل سنة ، وفي الشرع : هو اسم لأفعال مخصوصة يشتمل على أركان ، وواجبات ، وسنن.
فالركن : ما لا يحصل التحلّل إلّا بالإتيان به ، والواجب هو الذي إذا تركه يجبر بالدم ، والسّنن : ما لا يجب بتركها شيء ، وكذلك أفعال العمرة.
وقرأ نافع (٢) ، وأبو عمرو ، وابن كثير ، وأبو بكر ، عن عاصم رحمة الله تعالى عليهم : «الحجّ» بفتح الحاء في كلّ القرآن الكريم ، وهي لغة أهل الحجاز ، وقرأ حمزة ، والكسائيّ ، وحفص ، عن عاصم : بالكسر في كلّ القرآن.
قال الكسائيّ : وهما لغتان بمعنى واحد ؛ كرطل ورطل ، وكسر البيت ، وكسره ، وقيل : بالفتح المصدر ، وبالكسر الاسم.
وقرأ علقمة (٣) ، وإبراهيم النّخعيّ : «وأقيموا الحجّ والعمرة لله» وفي مصحف ابن
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ٥٩٥) عن رجل من الصحابة وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٣٧٥). وقال : وأخرج عبد بن حميد عن أبي إسحق مثله.
(٢) انظر : السبعة ١٧٨ ، الحجة ٢ / ٢٧٨.
(٣) انظر : البحر المحيط ٢ / ٨٠.