وسابعها : إجماع المفسرين على أن سبب نزول هذه الآية الكريمة ، أن الكفّار أحصروا النبي صلىاللهعليهوسلم بالحديبية ، واختلف العلماء في الآية النازلة في سببه ؛ هل تتناول غير ذلك السبب؟ إلّا أنهم اتفقوا على أنّه لا يجوز أن يكون ذلك السبب خارجا عنه ، فكان الإحصار في هذه الآية الكريمة عبارة عن العدوّ ، وأمّا قياس منع المرض عليه ، فلا يمكن لوجهين :
الأول : أنّ كلمة «إن» شرط ، وحكم الشرط انتفاء المشروط عند انتفائه ظاهرا ، فيقتضي ألّا يثبت الحكم إلّا في الإحصار الذي دلّت الآية عليه ، فلو أثبتنا هذا الحكم في غيره قياسا ، كان ذلك نسخا للنصّ بالقياس ، وهو غير جائز.
الثاني : أنّ الإحرام شرع لازم ، لا يحتمل النسخ قصدا ؛ ألا ترى أنّه لو جامع ، فسد حجّه ولم يخرج من الإحرام ؛ وكذا لو فاته الحجّ حتى لزمه القضاء ، والمريض ليس كالعدوّ ؛ لأن المريض لا يستفيد بتحلّله ورجوعه أمنا من مرضه ، وأمّا المحصر بالعدو ، فإنّه خائف من القتل إذا أقام ، فإذا رجع ، فقد أمن ، وتخلص من خوف القتل ، والله أعلم.
فصل
قال القرطبيّ (١) : «الحاصر لا يخلو من أن يكون كافرا أو مسلما ، فإن كان كافرا ، لم يجز قتاله ، ولو وثق بالظهور عليه ، ويتحلل بموضعه ؛ لقوله تعالى : (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [البقرة : ١٩١] ولو سأل الكافر جعلا ، لم يجز ؛ لأن ذلك وهن في الإسلام ، وإن كان مسلما لم يجز قتاله بحال ، ووجب التحلل ، فإن طلب جعلا ويتخلّى عن الطريق ، جاز دفعه ، ولم يجز القتال ؛ لما فيه من إتلاف المهج ، وذلك لا يلزم في أداء العبادات ، فإنّ الدّين أسمح ، وأمّا بذل الجعل ، فلما فيه من دفع أعظم الضّررين بالأسهل منهما ، ولأن الحجّ ممّا ينفق فيه المال ، فيعدّ هذا من النّفقة».
فصل
العدوّ الحاصر : لا يخلو إمّا أن يتيقّن بقاؤه ، واستيطانه ، لقوته وكثرته ، أو لا ، فإن كان الأول ، حلّ المحصر مكانه من ساعته ، وإن كان الثاني ، فهو مما يرجى زواله ، فهذا (٢) لا يكون محصورا ؛ حتى يبقى بينه وبين الحج مقدار ما يعلم أنّه إن زال العدو ، لا يدرك الحج ؛ فيحلّ حينئذ.
وقال أشهب : من حصر عن (٣) الحج بعدو ، فلا يقطع التّلبية ، حتى يروح الناس إلى عرفة.
__________________
(١) ينظر : تفسير القرطبي ٢ / ٢٥١.
(٢) في ب : فههنا.
(٣) في ب : خصوص.