وقال غيره : له أن يتحلّل في الحال للمشقّة ، وهؤلاء قالوا يقوّم الهدي بالدّراهم ، ويشتري بها طعاما ، ويؤدّي ؛ لأنّه أقرب إلى الهدي ، وفيه اختلافات كثيرة ، ثم المحصر إن كان إحرامه بفرض ، قد استقرّ عليه ، فذلك الفرض في ذمّته ، وإن كان حجّ تطوّع ، هل عليه القضاء؟! فيه خلاف : فذهب جماعة إلى أنّه لا قضاء عليه ، وهو قول مالك ، والشّافعي ، وقال مجاهد والشّعبي والنّخعيّ ، وأصحاب الرّأي (١) : عليه القضاء.
قال القرطبيّ (٢) : قال مالك وأصحابه : لا يمنع المحرم الاشتراط في الحجّ ، إذا خاف الحصر بمرض ، أو عدوّ ، وهو قول الثّوريّ ، وأبي حنفية ، وأصحابه ـ رحمهمالله ـ والاشتراط أن يقول في إحرامه : إن حبسني حابس فمحلّي حيث حبسني.
وقال أحمد وإسحاق وأبو ثور لا بأس أن يشترط ، وله شرطه ، وهو قول جماعة من الصّحابة والتابعين ، واحتجّوا بقوله عليهالسلام لضباعة حين سألته عن كيفيّة الإحرام فقال : «قولي : محلّي حيث حبستني».
فصل
اختلفوا في العمرة ، فأكثر الفقهاء قالوا : حكمها في الإحصار كحكم الحجّ ، وعن ابن سيرين (٣) أنّه لا إحصار فيها ؛ لأنّها غير مؤقّتة ، ويرده قوله تعالى : (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ) عقيب ذكر الحجّ والعمرة ، فيكون عائدا إليهما.
فصل
إذا أراد المحصر التحلّل وذبح ، وجب أن ينوي التّحلل عند الذّبح ، ولا يتحلّل ألبتّة قبل الذّبح.
قوله : (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) في الآية حذف ؛ لأنّ الرّجل لا يتحلّل ببلوغ الهدي محلّه ، حتى ينحر ؛ فتقدير الآية الكريمة : حتّى يبلغ الهدي محلّه ، فينحر فإذا نحر فاحلقوا و «محلّه» يجوز أن يكون ظرف مكان ، أو زمان ، ولم يقرأ إلّا بكسر الحاء فيما علمنا إلّا أنّه يجوز لغة فتح حائه ، إذا كان مكانا. وفرّق الكسائيّ بينهما ، فقال : «المكسور هو الإحلال من الإحرام ، والمفتوح هو مكان الحلول من الإحصار».
فصل
قال أبو حنيفة : لا يجوز إراقه دم الإحصار إلّا في الحرم وقال أحمد والشّافعيّ ـ رحمهماالله ـ حيث حبس والخلاف مبنيّ على البحث في المحلّ ؛ فقال أبو حنيفة : هو اسم للمكان. وقال غيره: هو اسم للزّمان الذي حصل فيه الحل. وحجّتهم وجوه.
__________________
(١) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٦٩.
(٢) ينظر : تفسير القرطبي ٢ / ٢٥٠.
(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١٢٧.