والهديّة لا تكون هديّة إلّا إذا بعثها المهدي إلى دار المهدى إليه ، وهذا المعنى لا يتصّور إلّا بجعل موضع الهدي هو الحرم.
وجوابه : هذا تمسّك بالاسم ، ثم هو محمول على الأصل عند القدرة.
الرابع : أنّ سائر دماء الحجّ سواء كانت قربة ، أو كفّارة ، لا تصحّ إلّا في الحرم ، فكذا هذا.
وجوابه أنّ هذا الدّم إنّما وجب لإزالة الخوف ، وزوال الخوف إنما يحصل إذا قدر عليه حيث أحصر ، فلو وجب إرساله إلى الحرم ، لم يحصل هذا المقصود ، وهذا المعنى غير موجود في سائر الدّماء ، فظهر الفرق.
والقائلون بأنّ محلّه الحرم قالوا : إن كان المحصر حاجّا ، فمحله يوم النّحر ، وإن كان معتمرا ، فمحله يوم يبلغ هديه الحرم.
قوله (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً) [البقرة : ١٩٦].
في «منكم» وجهان :
أحدهما : أن يكون في محلّ نصب على الحال من «مريضا» ؛ لأنه في الأصل صفة له ، فلمّا قدّم عليه انتصب حالا. وتكون «من» تبعيضية ، أي : فمن كان مريضا منكم.
والثّاني : أجازه أبو البقاء أن يكون متعلّقا بمريضا.
قال أبو حيان : «وهو لا يكاد يعقل». و «من» يجوز أن تكون شرطية ، وأن تكون موصولة.
قوله : «أو به أذى» يجوز أن يكون هذا من باب عطف المفردات ، وأن يكون من باب عطف الجمل. أما الأول ، فيكون الجارّ والمجرور في قوله : «به» معطوفا على «مريضا» الّذي هو خبر كان ، فيكون في محلّ نصب. ويكون «أذى» مرفوعا به على سبيل الفاعليّة ؛ لأنّ الجارّ إذا اعتمد رفع الفاعل عند الكلّ فيصير التقدير : فمن كان كائنا به أذى من رأسه. وأما الثّاني فيكون «به» خبرا مقدّما ، ومحلّه على هذا رفع ، وفي الوجه الأوّل كان نصبا ، و «أذى» مبتدأ مؤخّر ، وتكون هذه في محلّ نصب ؛ لأنّها عطف على «مريضا» الواقع خبرا لكان ، فهي وإن كانت جملة لفظا ، فهي في محلّ مفرد ؛ إذ المعطوف على المفرد مفرد ، لا يقال : إنه عاد إلى عطف المفردات ، فيتّحد الوجهان لوضوح الفرق. وأجازوا أن يكون «أذى» معطوفا على إضمار «كان» لدلالة «كان» الأولى عليها ، وفي اسم «كان» المحذوفة حينئذ احتمالان :
أحدهما : أن يكون ضمير «من» المتقدّمة ، فيكون «به» خبرا مقدما ، و «أذى» مبتدأ مؤخرا ، والجملة في محلّ نصب خبرا لكان المضمرة.
والثّاني : أن يكون «أذى» اسمها و «به» خبرها ، قدّم على اسمها.