الموضع ؛ وجب حمله على المبيّن فيما جاء بعد ذلك ، وهو الّذي يلزم المتمتّع إذا لم يجد الهدي.
فصل
اختلفوا : هل يقدّم الفدية ثمّ يترخّص ، أو يؤخّر الفدية عن الترخّص ، والّذي يقتضيه ظاهر الآية الكريمة ؛ أنّه يؤخر الفدية عن الترخص ، لأن الإقدام على التّرخص كالعلّة في وجوب الفدية ، فكان مقدّما عليه ، وأيضا فقد بينّا أنّ تقدير الآية الكريمة : فحلق فعليه فدية.
فصل
قال بعضهم هذه الآية الكريمة مختصّة بالحصر ؛ وذلك إن قيل أي بلوغ الهدي محلّه ، ربما لحقه مرض ، وأذى في رأسه ، فأذن الله تعالى له في إزالة ذلك المؤذي بشرط أن يفدي.
وقال آخرون : بل الكلام مستأنف في كلّ محرم لحقه مرض ، أو أذى في رأسه ، فاحتاج إلى العلاج والحلق ، فبيّن الله تعالى أنّ له ذلك ، وبين ما يجب عليه من الفدية ، وقد يكون المرض محوجا إلى اللّباس ، من شدّة البرد أو غيره ، وقد يحتاج في الأمراض إلى استعمال الطّيب كثيرا ، وبالجملة فهذا الحكم عامّ في جميع محظورات الإحرام.
فصل
فأمّا من حلق رأسه عامدا من غير عذر ، فقال أبو حنيفة والشّافعيّ يجب عليه الدّم.
وقال مالك : حكمه حكم من فعل ذلك بعذر ؛ لأنّ وجوبه على المعذور تنبيه على وجوبه على غير المعذور.
قال ابن الخطيب (١) : هذا ضعيف ؛ لأنّ قوله : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ) يدل على اشتراط هذا الحكم بهذه الأعذار ، والمشروط بالشيء عدم عند عدم الشّرط.
قوله : «فإذا أمنتم» الفاء عاطفة على ما تقدّم ، و «إذا» منصوبة بالاستقرار المحذوف ؛ لأنّ التّقدير : فعليه ما استيسر ، أي : فاستقرّ عليه ما استيسر.
وقوله : «فمن تمتّع» الفاء جواب الشّرط بإذا ، والفاء في قوله : «فما استيسر» جواب الشّرط الثاني. ولا نعلم خلافا أنّه يقع الشّرط وجوابه جوابا لشرط آخر مع الفاء. وقد تقدّم الكلام على «فما استيسر».
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١٣٠.