فصل
تقدير الكلام ، فإذا أمنتم الإحصار بالخوف أو المرض ، «فمن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ» واختلفوا في هذه المتعة : فقال عبد الله بن الزّبير (١) : معناه فمن أحصر حتّى فاته الحجّ ، ولم يتحلّل ، فقدمّ مكّة ، فخرج من إحرامه بعمل عمرة ، أو استمتع بإحلاله ذلك بتلك العمرة إلى السّنة المقبلة ، ثم حجّ فيكون متمتعا بذلك الإحلال إلى إحرامه الثّاني في العام القابل (٢) ، وقيل معناه : فإذا أمنتم ، وقد حللتم من إحرامكم بعد الإحصار ، ولم تقضوا عمرتكم ، وأخرتم العمرة إلى السّنة القابلة ، فاعتمرتم في أشهر الحجّ ، ثم حللتم واستمتعتم بإحلالكم إلى الحجّ ، ثم أحرمتم بالحجّ ، فعليكم ما استيسر من الهدي ، وهو قول علقمة ، وإبراهيم النّخعيّ ، وسعيد بن جبير(٣).
ومعنى التّمتّع : التّلذّذ ، يقال تمتّع بالشّيء ، أي : تلذّذ به ، والمتاع : كلّ شيء يتمتع به ، وأصله من قولهم : «حبل ماتع» أي : طويل ، وكل من طالت صحبته بالشّيء ، فهو متمتّع به ، والتمتع بالعمرة إلى الحجّ هو أن يقدم مكّة معتمرا في أشهر الحجّ وينزع منها ، ثم يقيم بمكّة حلالا ، حتّى ينشىء منها الحجّ من عامه ذلك ، وإنّما سمّي متمتعا لأنّه يكون مستمتعا بمحظورات الحج فيما بين تحلله من العمرة إلى إحرامه بالحجّ ، وهذا التمتع الّذي ليس بمكروه ، بل هو الأفضل عند أحمد ، وإتمام التّمتّع المكروه ، وهو الّذي خطب به عمر ـ رضي الله عنه ـ وقال : «متعتان كانتا على عهد رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وأنا أنهى عنهما ، وأعاقب عليهما ، متعة النّساء ، ومتعة الحجّ» (٤) ، والمراد بهذه المتعة أن يجمع بين الإحرامين ، ثمّ يفسخ الحجّ إلى العمرة ، ويتمتّع بها إلى الحجّ ، روي أنّ رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أذن لأصحابه في ذلك ثمّ نسخ.
روي عن أبي ذرّ أنّه قال : ما كانت متعة الحج إلّا لي خاصة ، وكان السّبب فيه أنّهم كانوا لا يرون العمرة في أشهر الحجّ ، ويعدّونها من أفجر الفجور ، فلما أراد ـ عليهالسلام ـ إبطال ذلك الاعتقاد عليهم بالغ فيه ، بأن نقلهم في أشهر الحجّ من الحجّ إلى العمرة ، وهذا سبب لا يشاركهم فيه غيرهم ، فلهذا المعنى كان فسخ الحجّ خاصّا بهم (٥).
__________________
(١) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٧٠.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٨٨) عن عبد الله بن الزبير وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٣٨٧) وزاد نسبته لابن أبي شيبة وابن المنذر.
(٣) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٧٠.
(٤) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١٣٠.
(٥) أخرجه ابن ماجه (٣٩٨٤) والنسائي (٢٨٠٨) وأحمد (٣ / ٤٦٩) والحاكم (٣ / ٥١٧) والدارمي (٢ / ٥٠) والطبراني في «الكبير» (١ / ٣٥٧) وابن عبد البر في «التمهيد» (٨ / ٣٥٧).