قال القرطبيّ (١) : وزعم من صحّح نهي عمر عن التّمتّع : أنّما نهى لينتجع إلى البيت مرّتين أو أكثر في العام حتى يكثر عمارته بكثرة الزّيارة في غير الموسم ، وأراد إدخال الرّفق على أهل الحرم بدخول النّاس ، تحقيقا لدعوة إبراهيم ـ عليهالسلام ـ (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) [إبراهيم : ٣٧].
وقيل : إنّما نهى عنها ؛ لأنّه رأى النّاس مالوا إلى التّمتّع ليسارته ، وخفّته ؛ فخشي أن يضيع الإفراد والقران ، وهما مسنونان.
فصل
التّمتّع لا يحصل إلّا بمحظورات الإحرام لكنّه لما كان بسبب إتيانه بالعمرة سمّاه تمتعا بالعمرة إلى الحجّ.
فصل في شروط وجوب دم التّمتّع
يشترط لوجوب دم التّمتّع خمسة شروط (٢) :
أحدها : أن يقدم العمرة على الحجّ.
والثاني : أن يحرم بالعمرة في أشهر الحجّ ، فلو أحرم لها قبل أشهر الحجّ ، وأتى بشيء من الطّواف ، ولو شوطا واحدا ، ثم أكمل باقيه في أشهر الحجّ في هذه السّنة ، لم يلزمه الدّم ؛ لأنّه لم يجمع بين النّسكين في أشهر الحجّ.
__________________
(١) ينظر : تفسير القرطبي ٢ / ٢٥٨.
(٢) ولدم التمتع شروط أربعة : ١ ـ أن تقع عمرة المتمتع في أشهر الحج ، فإذا أحرم ـ بالعمرة قبل أشهر الحج ـ سواء أتمها قبل دخول أشهر الحج أو أتمها فيها ـ فلا يجب عليه الدم ؛ لأنه لم يجمع بين الحج والعمرة في أشهر الحج ، فأشبه المفرد. ٢ ـ أن يحج من عامه ، فإذا اعتمر في أشهر الحجّ ، ثم حج في عام آخر ، أو لم يحجّ أصلا ـ فلا دم عليه ؛ لما روى البيهقي : «كان أصحاب رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يعتمرون في أشهر الحج ، فإذا لم يحجوا من عامهم ذلك ، لم يهدوا». ٣ ـ أن لا يعود المتمتع بعد فراغه من العمرة إلى الميقات الذي أحرم منه أوّلا ، أو إلى ميقات آخر من مواقيت الحج ؛ ليحرم منه بالحجّ ، فإن عاد المتمتّع إلى الميقات ليحرم منه بالحج ، فلا دم عليه ؛ لأنّ المقتضي للدم هو ربح الميقات ، وقد انتفى بعودة المتمتّع إليه. ٤ ـ ألّا يكون المتمتع من حاضري المسجد الحرام ؛ لقوله تعالى : ذلِكَ لِمَنْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ والمراد بحاضري المسجد الحرام : من بين مساكنهم والحرم أقلّ من مرحلتين ، فإن كان المتمتع من أهل هذه الجهة ، فلا يلزمه الدم ؛ لقربه من الحرم ، والقريب من الشيء يقال له : حاضره ؛ قال تعالى : «وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ» أي : قريبة منه ، والمعنى في ذلك : أنه لم يربح ميقاتا عامّا لأهله ولمن مرّ به.
ووقت وجوب الدم على المتمتع هو وقت إحرامه بالحجّ ، لأنه حينئذ يصير متمتعا بالعمرة إلى الحج ، ويجوز له أن يذبح بعد فراغه من العمرة وقبل الإحرام بالحجّ ، لتقدم أحد سببيه ، والأفضل ذبحه يوم النحر ، ولا آخر لوقته كسائر دماء الجبر.