وقال آخرون : القبلة هي الكعبة ، والدليل عليه ما أخرج في «الصحيحين» عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس ، قال : أخبرني أسامة بن زيد ، قال : إنه لمّا دخل النبي صلىاللهعليهوسلم البيت دعا في نواحيه كلها ، ولم يصلّ حتى خرج منه ، فلما خرج صلى ركعتين في قبل الكعبة ، وقال : هذه القبلة (١).
قال القفال : وقد وردت الأخبار الكثيرة في صرف القبلة إلى الكعبة.
وفي خبر البراء بن عازب : ثم صرف إلى الكعبة ، وكان يحبّ أن يتوجّه إلى الكعبة.
وفي خبر ابن عمر في صلاة أهل قباء : فأتاهم آت فقال : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم حول إلى الكعبة.
وفي رواية ثمامة بن عبد الله بن أنس : جاء منادي رسول الله ، فنادى أن القبلة حولت إلى الكعبة. هكذا عامة الروايات.
وقال آخرون : بل المراد المسجد الحرام الحرم كلّه ، قالوا : لأن الكلام يجب إجراؤه على ظاهر لفظه ، إلّا إذا منع منه مانع.
وقال آخرون : المراد من المسجد الحرام الحرم كلّه ، والدليل عليه قوله تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [الإسراء : ١] وهو ـ عليه الصلاة والسلام ـ إنما أسري به خارج المسجد ، فدلّ هذا على أن الحرم كله مسمى بالمسجد الحرام.
وقوله تعالى : (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ) في «حيثما» هنا وجهان :
أظهرهما : أنها شرطية ، وشرط كونها كذلك زيادة «ما» بعدها خلافا للفراء ، ف «كنتم» في محلّ جزم بها ، و «فولّوا» جوابها ، وتكون هي منصوبة على الظرف ب «كنتم» فتكون هي عاملة فيه الجزم ، وهو عامل فيها النصب نحو : (أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) [الإسراء : ١١٠].
واعلم أن «حيث» من الأسماء اللازمة للإضافة فالجملة التي بعدها كان القياس يقتضي أن تكون في محلّ خفض بها ، ولكن منع من ذلك مانع ، وهو كونها صارت من عوامل الأفعال.
قال أبو حيان : وحيث هي ظرف مكان مضافة إلى الجملة ، فهي مقتضية للخفض بعدها ، وما اقتضى الخفض لا يقتضي الجزم ؛ لأن عوامل الأسماء لا تعمل في الأفعال ، والإضافة موضحة لما أضيف ، كما أن الصلة موضحة ، فينافي اسم الشرط ؛ لأن اسم
__________________
(١) أخرجه البخاري (١ / ١٧٦) كتاب الصلاة باب قول الله تعالى : «وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى» (٣٩٨) ومسلم (١ / ٣٧٦ ـ ٣٧٧) وأحمد (٥ / ٢١٠).