فصل
والمجزي فيها جذعة من الضأن ، أو ثنية من المعز ، أو شرك ستّة في بدنة ، أو بقرة ، ووقت وجوبه بعد الإحرام بالحجّ ؛ لأنّ قوله : (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) يدلّ على أنّه عقيب التّمتع ، ويستحب ذبحه يوم النّحر فلو ذبح بعد الإحرام بالحجّ جاز ؛ لأنّ التمتع قد تحقّق. وعن أبي حنيفة لا يجوز إلّا يوم النّحر ؛ لأنّه نسك عنده.
قوله : (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ؛) يعني : أنّ المتمتع إذا لم يجد الهدي ، فعليه أن يصوم ، وهل الهدي أفضل أم الصّيام؟ قال ابن الخطيب (١) : الظّاهر أنّ المبدل أفضل من البدل ؛ لكنّه تعالى بيّن في هذا البدل أنّه في الكمال والثّواب كالهدي وهو كقوله (تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ).
قوله : «فصيام» في رفعه الأوجه الثّلاثة المذكورة في قوله : «ففدية» وقرىء (٢) نصبا ، على تقدير فليصم ، وأضيف المصدر إلى ظرفه معنى ، وهو في اللّفظ مفعول به على السّعة. و «في الحجّ» متعلّق بصيام وقدّر بعضهم مضافا ، أي : في وقت الحجّ.
ومنهم من قدّر مضافين ، أي : وقت أفعال الحجّ ، ومنهم من قدّره ظرف مكان ، أي : مكان الحجّ ويترتّب على ذلك أحكام ، وهي أنّ المتمتّع إذا لم يجد الهدي لا يصحّ صومه ، بعد إحرام العمرة ، وقبل إحرام الحجّ.
وقال أبو حنيفة : يصحّ.
حجّة الأوّل وجوه :
أحدها : أنّه صيام قبل وقته ؛ فلا يجوز كمن صام رمضان قبله ، وكما لو صام السّبعة قبل الرّجوع ، وذلك لأنّ الله تعالى قال : (فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ) ، والمراد إحرام الحج ؛ لأنّ سائر أفعال الحجّ لا تصلح ظرفا للصّوم ، والإحرام يصلح ، فوجب حمله عليه.
وثانيها : أنّ ما قبل الإحرام بالحجّ ليس بوقت للهدي الذي هو أصل ، ولا يكون وقتا لبدله ، كسائر الأصول في الأبدال.
وإذا ثبت ذلك ، فنقول : اتّفقوا على أنّه يجوز بعد الشّروع في الحجّ إلى يوم النّحر ، وثبت أنّه لا يجوز يوم النحر ولا أيّام التّشريق لقوله عليهالسلام «لا تصوموا في هذه الأيّام» (٣) ، والمستحبّ أن يصوم في أيّام الحج حيث يكون يوم عرفة مفطرا.
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ٥ / ١٣٢.
(٢) انظر : البحر المحيط ٢ / ٨٦ ، الدر المصون ١ / ٤٨٧.
(٣) أخرجه أحمد (٢ / ٥١٣ ، ٥٣٥) والدارقطني (٢ / ١٨٧) والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (٢ / ٢٤٤) والطبراني في «الكبير» (٣ / ١٧٣) والخطيب في «تاريخ بغداد» (٢٧٨١٤) وأبو نعيم في «تاريخ ـ