الجملة عن سائر الجمل بسبب القرب ، فكذا ها هنا.
فصل
اختلفوا في حاضري المسجد الحرام ، فذهب قوم إلى أنّهم أهل مكّة ، وهو قول مالك ـ رحمهالله (١) ـ.
وقال ابن جريج (٢) : أهل عرفة والرجيع وضجنان.
__________________
ـ اختص بالأخير ، وإن ترددت بين العطف والابتداء ، فالوقف ؛ وهو مختار سيف الدين.
ففي آية القذف في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً ، وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) لم يعد الاستثناء إلى الأولى بالإجماع ؛ لأن الجلد حق الآدمي لا يسقط بالتوبة إلا على رأي الشّعبي ، وهو مذهب شاذّ وقول قديم ، ويعود إلى الأخيرة بالاتفاق. وقال الشافعي : ويعود أيضا إلى الثانية ، فتقبل شهادته إذا تاب التوبة المعتبرة ، ومنع أبو حنيفة عوده إلى الثانية.
واستدلّ الجمهور بأدلة منها : أن الجمل المعطوف بعضها على بعض بمنزلة الجملة الواحدة ؛ ولهذا فإنه لا فرق في اللّغة بين قوله : اضرب الجماعة التي منها قتلة وسرّاق وزناة إلا من تاب ، بين قوله : اضرب من قتل ، وسرق ، وزنا ، إلا من تاب ، فوجب اشتراكهما في عود الاستثناء إلى الجميع.
ومنها : أن الإجماع منعقد على أنه لو قال : والله لا أكلت الطعام ، ولا دخلت الدار ، ولا كلمت زيدا ، واستثنى بقوله : إن شاء الله أنه يعود إلى الجميع.
ومنها : أن الاستثناء صالح لأن يعود إلى كل واحدة من الجمل ، وليس البعض أولى من البعض فوجب العود إلى الجميع كالعام. إذا تقرر ذلك ، وثبت لك ما هنالك ، فيمكن القول : إنه لم ينقل عن الشافعي نصّ في هذه المسألة بخصوصها ، وإنما أخذ من مذهبه في مسألة المحدود بالقذف ، والشافعي إنما صار إلى ذلك ؛ لأن ذكر الجمل هناك لم يكن إضرابا عن الجملة المتقدمة ؛ لأن الآيات سيقت لغرض واحد ، وهو الجزاء على تلك الجريمة.
وقال صاحب «المصادر» : الخلاف في هذه المسألة إنما نشأ من اختلافهم في الفروع من المحدود في القذف ، هل تقبل شهادته بعد التوبة أم لا؟ على معنى أنهم اختلفوا في هذه المسألة التي هي فرع ، حداهم هذا الاختلاف الذي هو أصل لذلك الفرع ، لا أنهم ذهبوا فيما هو فرع هذا الأصل إلى مذاهب ، ثم رتّبوا عليه هذا الأصل ، لأن هذا عكس الواجب ؛ من حيث إن الفرع يترتب على أصله ، ويستوي عليه ، لا أن يترتب الأصل على فرعه ، ويستوي عليه ؛ فإن ذلك بمنزلة تسوية الصنجة على مقدار المبتاع ، في أنه غير صحيح ولا مستقيم ؛ إذ الصحيح المستقيم أن يستوي مقدار المبتاع الموزون على الصنجة المعتدلة. انتهى.
ينظر : البحر المحيط ٣ / ٣١٢ ، البرهان ١ / ٣٨٨ ، المستصفى ٢ / ١٧٤ ، ١٨٠ ، المنخول (١٦٠) ، المحصول ١ / ٣ / ٦٣ ، المعتمد ١ / ٢٦٤ ، التبصرة (١٧٢) ، شرح الكوكب ٣ / ٣١٣ ، ارشاد الفحول (١٥٢) ، شرح العضد ٢ / ١٣٩ ، جمع الجوامع ٢ / ١٧ ، تيسير التحرير ١ / ٣٠٢ ، فواتح الرحموت ١ / ٣٣٢ ، التلويح ٢ / ٣٠٣ ، الإحكام للآمدي ٢ / ٢٧٨ ، أصول السرخسي ١ / ٧٥ ، شرح المنتهى لابن الحاجب (١٩٢) الإبهاج ٢ / ١٦٢ ، نشر البنود ١ / ٢٥٠ ، المسودة (١٥٦) الروضة (١٣٤) (١٣٥) العدة ٢ / ٦٧٨ ، فصول البدائع للفناري ٢ / ١١٨ ، وفتح الغفار ٢ / ١٢٨.
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١٣٥.
(٢) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٧١.