قوله تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ)(١٩٧)
«الحجّ» مبتدأ ، و «أشهر» خبره ، والمبتدأ والخبر لا بدّ أن يصدقا على ذات واحدة ، و «الحجّ» فعل من الإفعال ، و «أشهر» زمان ، فهما غيران ، فلا بدّ من تأويل ، وفيه ثلاثة احتمالات :
أحدها : أنّه على حذف مضاف من الأوّل ، تقديره : أشهر الحج أشهر معلومات. أي : لا حجّ إلّا في هذه الأشهر ولا يجوز في غيرها ، كما كان يفعله أهل الجاهليّة في غيرها ، كقوله البرد شهران ، أي : وقت البرد شهران.
الثاني : الحذف من الثاني تقديره : الحجّ حجّ أشهر ، فيكون حذف من كل واحد ما أثبت نظيره.
الثالث : أن تجعل الحدث نفس الزّمان مبالغة ، ووجه المجاز كونه حالّا فيه ، فلما اتّسع في الظّرف جعل نفس الحدث ، ونظيره : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) [الأحقاف : ١٥] وإذا كان ظرف الزمان نكرة مخبرا به عن حدث ، جاز فيه الرفع والنّصب مطلقا ، أي : سواء كان الحدث مستوعبا للظّرف ، أم لا ، هذا مذهب البصريين.
وأمّا الكوفيّون فقالوا : إن كان الحدث مستوعبا ، فالرّفع فقط نحو : «الصّوم يوم» ، وإن لم يكن مستوعبا ، فهشام يلتزم رفعه أيضا نحو : «ميعادك يوم» والفرّاء يجيز نصبه مثل البصريّين ، وقد نقل عنه أنّه منع نصب «أشهر» ، يعني : في الآية الكريمة ، لأنها نكرة ، فيكون له في المسألة قولان ، وهذه مسألة طويلة.
قال ابن عطيّة : «ومن قدّر الكلام : الحج في أشهر ، فيلزمه مع سقوط حرف الجرّ نصب الأشهر ، ولم يقرأ به أحد» قال أبو حيان رحمهالله : ولا يلزم ذلك ؛ لأنّ الرّفع على جهة الاتّساع ، وإن كان أصله الجرّ ب «في».
فصل
أجمع المفسّرون على أنّ شوّالا ، وذا القعدة ، من أشهر الحج ، واختلفوا في ذي الحجّة فقال عروة بن الزّبير : إنها بكليتها من أشهر الحج وهو قول مالك ، وداود.
وقال أبو حنيفة : العشر الأول من ذي الحجّة من أشهر الحجّ ؛ وهو قول ابن عبّاس ، وابن عمر ، والنخعي ، والشعبي ، ومجاهد ، والحسن (١).
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١٣٧.