نصب ؛ لمصدر محذوف ، تقديره : «وما تفعلوا فعلا من خير» والهاء في «يعلمه» تعود إلى خير. قال شهاب الدّين : وهذا غلط فاحش ؛ لأنّه من حيث علّقه بالفعل قبله كيف يجعله نعت مصدر محذوف؟ ولأنّ جعله الهاء تعود إلى «خير» يلزم منه خلوّ جملة الجواب من ضمير يعود على اسم الشّرط ، وذلك لا يجوز ، أمّا لو كانت أداة الشّرط حرفا ، فلا يشترط فيه ذلك ، فالصواب ما تقدّم. وإنما ذكرت لك هذا لئّلا تراه فتتوهّم صحّته. والهاء عائدة على «ما» الّتي هي اسم الشّرط.
فصل
اعلم أنّ الله تعالى يعلم كلّ شيء وإذا خصّ هنا الخير بأنه يعلمه لفوائد.
أحدها : إذا علمت منك الخير ، ذكرته وشهرته ، وإذا علمت منك الشرّ ، سترته وأخفيته ؛ لتعلم أنّه إذا كانت رحمتي بك في الدنيا هكذا فكيف (١) في العقبى؟
وثانيها : قال بعض المفسرين في قوله : (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها) [طه : ١٥] معناه : لو أمكنني أن أخفيها عن نفسي ، لفعلت ، فكذا ـ هاهنا ـ كأنّه قيل للعبد : ما تفعله من الشّرّ ، فلو أمكنني أن أخفيه عن نفسي لفعلت ذلك.
وثالثها : أنّ السّلطان العظيم إذا قال لعبده المطيع : كلّ ما تتحمله من المشقّة والخدمة في حقّي ، فأنا عالم به ، ومطّلع عليه ، كان هذا وعدا له بالثّواب العظيم ، ولو قال ذلك لعبده المذنب ، كان توعّدا له بالعقاب الشّديد ، ولمّا كان سبحانه أكرم الأكرمين ؛ لا جرم ذكر ما يدلّ على الثّواب ، ولم يذكر ما يدلّ على العقاب.
ورابعها : أنّ جبريل ـ عليهالسلام ـ لمّا قال : «ما الإحسان»؟ فقال : «الإحسان : أن تعبد الله كأنّك تراه ، فإن لم تكن تراه ، فإنّه يراك» ، فهاهنا بيّن للعبد أنّه يراه ، ويعلم ما يفعله من الخيرات لتكون طاعة العبد للربّ من الإحسان ، الذي هو أعلى درجات العبادة ، فإن الخادم متى علم أنّ مخدومه مطّلع عليه ، ليس بغافل عن أحواله ـ كان أحرص على العمل (٢).
فصل
قال القرطبيّ (٣) : هذا شرط وجوابه ، والمعنى أنّ الله يجازيكم على أعمالكم ؛ لأنّ المجازاة إنما تقع من العالم بالشّيء.
وقيل : هو تحريض وحثّ على حسن الكلام مكان الفحش ، وعلى البرّ والتّقوى في الأخلاق مكان الفسوق والجدال.
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١٤٣.
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١٤٣.
(٣) ينظر : تفسير القرطبي ٢ / ٢٧٣.