قال النّحاس : سمعت أبا إسحاق يقول : قال لي أحمد بن يحيى ثعلب : أتعرف في كلام العرب شيئا من المضاعف جاء على فعل؟ قلت : نعم ، حكى سيبويه عن يونس : لببت تلبّ ؛ فاستحسنه ، وقال : ما أعرف له نظيرا.
واختلفوا فيه فقال بعضهم : إنّه اسم للعقل ؛ لأنه أشرف ما في الإنسان ، وبه تميز عن البهائم ، وقرب من درجة الملائكة.
وقال آخرون : إنّه في الأصل اسم للقلب الذي هو محل للعقل ، والقلب قد يجعل كناية عن العقل ، فقوله : (يا أُولِي الْأَلْبابِ) أي : يا أولي العقول ، وإطلاق اسم المحلّ على الحال مجاز مشهور.
فإن قيل : إذا كان لا يصحّ إلّا خطاب العقل ؛ فما فائدة قوله : (يا أُولِي الْأَلْبابِ)؟!
فالجواب : معناه أنّكم لمّا كنتم من أولي الألباب ، تمكنتم من معرفة هذه الأشياء ، والعمل بها ، فكان وجوبها عليكم أثبت ، وإعراضكم عنها أقبح ؛ ولهذا قال الشّاعر : [الوافر]
٩٩٧ ـ ولم أر في عيوب النّاس شيئا |
|
كنقص القادرين على التّمام (١) |
وقال تبارك وتعالى : (أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُ) [الأعراف : ١٧٩] يعني : أنّ الأنعام معذورة بسبب العجز ، وأمّا هؤلاء فقادرون فكان إعراضهم أفحش ، فلا جرم كانوا أضلّ.
قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ) (١٩٨)
قوله (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) «أن» في محلّ نصب في موضعين عند سيبويه (٢) والفراء (٣) ، وجرّ عند شيخيهما والأخفش ؛ لأنّها على إضمار حرف الجرّ ، أي : في أن ، وهذا الجارّ متعلّق : إمّا بجناح ؛ لما فيه من معنى الفعل وهو الميل والإثم ، وما كان في معناهما ، وإمّا بمحذوف ؛ لأنه صفة ل «جناح» ، فيكون مرفوع المحلّ ، أي : جناح كائن في كذا.
ونقل أبو البقاء (٤) رحمهالله تعالى عن بعضهم ، أنه متعلق ب «ليس» ، واستضعفه. قال شهاب الدّين : بل يحكم بتخطئته ألبتة.
قوله : (مِنْ رَبِّكُمْ) يجوز أن يتعلّق بتبتغوا فيكون مفعولا له ، وأن يكون صفة
__________________
(١) ينظر : الرازي ٥ / ١٤٥.
(٢) ينظر : الكتاب ١ / ١٧.
(٣) ينظر : معاني القرآن ١ / ١٤٨.
(٤) ينظر : الإملاء ١ / ٨٧.