وقيل : إنهم يتزوّدون الماء (١) إلى عرفة.
وقيل : إنّ المذنين كالعطاش الّذين وردوا بحار رحمة الله ـ تعالى ـ ، فشربوا منها حتى رووا.
فصل في فضل هذين اليومين
دلّ عليه قوله تعالى : (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) [الفجر : ٣] ، قال ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ : «الشّفع» ؛ يوم التّروية وعرفة ، والوتر يوم النّحر (٢).
وعن عبادة ؛ أنه ـ عليهالسلام ـ قال : صيام عشر الأضحى كلّ يوم منها كالشّهر ، ولمن يصوم يوم التّروية سنة ، وبصوم يوم عرفة سنتان (٣).
وروى أنس عنه ـ عليهالسلام ـ ؛ قال : «من صام يوم التّروية أعطاه الله مثل ثواب عيسى ابن مريم» (٤) ، وأما يوم عرفة فله عشرة أسماء خمسة منها مختصّة به ، وخمسة يشترك فيها مع غيره ، فالخمسة الأول :
أحدها : عرفة وتقدّم اشتقاقه.
الثاني : يوم إياس الكفّار من دين الإسلام ؛ قال ـ تبارك وتعالى ـ : (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ) [المائدة : ٣].
قال عمر ، وابن عبّاس : نزلت هذه الآية الكريمة عشيّة عرفة ، والنّبي صلىاللهعليهوسلم واقف بعرفة في موقف إبراهيم ـ عليهالسلام ـ ، وذلك في حجّة الوداع وقد اضمحلّ الكفر وهدم شأن الجاهليّة ، فقال النبيّ ـ عليهالسلام ـ : «لو يعلم النّاس ما لهم في هذه الآية ، لقّرّت أعينهم» فقال يهوديّ لعمر : لو أنّ هذه الآية نزلت علينا لاتّخذنا ذلك اليوم عيدا ، فقال عمر : أمّا نحن فجعلناه عيدين ؛ كان يوم عرفة ويوم الجمعة (٥) ، ومعنى إياس المشركين بأنّهم يئسوا من قوم محمّد ـ عليهالسلام ـ أن يرتدّوا [راجعين] إلى دينهم.
الثالث : يوم إكمال الدّين ؛ نزل فيه قوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) [المائدة : ٣] فلم يأمرهم بعد ذلك بشيء من الشّرائع.
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١٤٨.
(٢) أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (٣ / ٣٥٣) رقم (٣٧٤٧) عن ابن عباس وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٣٤٦) وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه في تفاسيرهم.
(٣) هذا الحديث ذكره الرازي في «التفسير الكبير» (٥ / ١٤٨) عن عبادة بن الصامت.
(٤) الحديث ذكره ابن عراق في «تنزيه الشريعة» (٢ / ١٦٥) بلفظ : من صام يوم التروية أعطاه الله مثل ثواب أيوب على بلائه وإن صام يوم عرفة أعطاه الله عزوجل مثل ثواب عيسى ابن مريم.
وعزاه للديلمي في «مسند الفردوس» وقال : وفيه حماد بن عمرو.
(٥) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢٥٨) وعزاه لإسحق بن راهويه في «مسنده» وعبد بن حميد عن أبي العالية قال كانوا عند عمر فذكره.