الحجّة إلى منى ، بحيث يوافون الظّهر بها ، ويصلّون بها الظّهر والعصر والمغرب والعشاء والصّبح من يوم عرفة ، فإذا طلعت الشّمس على ثبير (١) يتوجّهون إلى عرفات ، فإذا دنوا منها فالسّنّة ألّا يدخلوها ، بل يضرب فيه الإمام بنمرة (٢) ، وهي قريبة من عرفة ، فينزلون هناك حتّى نزول الشّمس ، فيخطب الإمام خطبتين ، يبيّن لهم مناسك الحجّ ، ويحرّضهم على كثرة الدّعاء والتّهليل بالموقف ، فإذا فرغ من الخطبة الأولى ، جلس ثم قام ، وافتتح الخطبة الثّانية والمؤذّنون يأخذون في الأذان معه ، ويخفّف بحيث يكون فراغه من الخطبة ، مع فراغ المؤذّنين من الأذان ، ثم ينزل فيقيم المؤذّنون فيصلّي بهم الظّهر ، ثم يقيمون في الحال ويصلّي بهم العصر ، وهذا الجمع متفق عليه ، فإذا فرغوا من الصّلاة توجّهوا إلى عرفات ، فيقفون عند الصّخرات موقف النّبي صلىاللهعليهوسلم ، ويستقبلون القبلة ويذكرون الله ـ تعالى ـ ويدعونه إلى غروب الشّمس.
وهنا الوقوف ركن لا يدرك الحجّ إلّا به ، فمن فاته في وقته وموضعه ، فقد فاته الحجّ ، ووقت الوقوف يدخل بزوال الشّمس من يوم عرفة ، ويمتدّ إلى طلوع الفجر من يوم النّحر ، وذلك نصف يوم وليلة كاملة ، فإذا حضر الحاجّ هناك في هذا الموقف لحظة واحدة من ليل أو نهار ، كفاه.
قال القرطبيّ (٣) ـ رحمهالله تعالى ـ : أجمع أهل العلم على أنّ من وقف بعرفة يوم عرفة قبل الزّوال ، ثم أفاض منها قبل الزّوال أنّه لا يعتدّ بوقوفه ذلك ، وأجمعوا على تمام حجّ من وقف بعرفة بعد الزّوال ، وأفاض نهارا قبل اللّيل إلّا مالك ؛ فإنّه قال : لا بدّ أن
__________________
(١) ثبير : بالفتح ثم الكسر ، وياء ساكنة ، وراء ؛ قال الجمحي ـ وليس بابن سلّام : الأثبرة أربعة : ثبير غينى ، الغين معجمة مقصورة ، وثبير الأعرج ، وثبير آخر ذهب عني اسمه ، وثبير منى ، وقال الأصعمي : ثبير الأعرج هو المشرف ب «مكة» على حق الطارقيين ، قال : وثبير غينى وثبير الأعرج ؛ وهما حراء وثبير ؛ وحكى أبو القاسم محمود بن عمران الثبيران بالتثنية : جبلان مفترقان يصبّ بينهما أفاعية ؛ وهو واد يصبّ من منى ، يقال لأحدهما : ثبير غينى ، وللآخر : ثبير الأعرج ؛ وقال نصر : ثبير من أعظم جبال «مكة» ، بينها وبين عرفة ، سمّي ثبيرا برجل من «هذيل» مات في ذلك الجبل ، فعرف الجبل به ، واسم الرجل ثبير.
وروى أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، عن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قال : لما تجلّى الله ـ تعالى ـ للجبل يوم موسى ، ـ عليهالسلام ـ ، تشظّى ، فصارت منه ثلاثة أجبل ، فوقعت ب «مكة» ، وثلاثة أجبل وقعت ب «المدينة» فالتي ب «مكة» حراء ، وثبير ، وثور ؛ والتي ب «المدينة» أحد ، وورقان ، ورضوى.
ينظر : معجم البلدان ٢ / ٨٥.
(٢) نمرة : بفتح أوله ، وكسر ثانيه ، أنثى النمر : ناحية ب «عرفة» نزل بها النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وقال عبيد الله بن أقرم : رأيته بالقاع من نمرة. وقيل : الحرم من طريق الطائف على طرف من نمرة على أحد عشر ميلا ، وقيل : نمرة الجبل الذي عليه أنصاب الحرم عن يمينك ، إذا خرجت من المأزمين تريد الموقف. قال الأزرقي : حيث ضرب رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ في حجة الوداع ، وكذلك عائشة.
ينظر : معجم البلدان ٢ / ٣٥٢.
(٣) ينظر : تفسير القرطبي ٢ / ٢٨٦.