فصل
الآية دلّت على وجوب ذكر الله عند المشعر الحرام ، عند الإفاضة من عرفات ، والإفاضة من عرفة مشروطة بالحصول في عرفة ، ما لا يتمّ الواجب إلّا به وكان مقدورا للمكلّف ، فهو واجب ، فدلّت الآية الكريمة على أنّ الحصول في عرفات واجب في الحجّ ، فإذا لم يأت به لم يكن آتيا بالحجّ المأمور به ؛ فوجب ألّا يخرج عن العهدة ، وهذا يقتضي أن يكون الوقوف بعرفة شرطا.
أقصى ما في الباب : أنّ الحجّ يحصل عند ترك بعض المأمورات بدليل منفصل ، إلّا أنّ الأصل ما ذكرنا ، وذهب كثير من العلماء إلى أنّ الآية لا دلالة فيها على أنّ الوقوف شرط ، ونقل عن الحسن (١) أن الوقوف بعرفة واجب ، إلّا أنه إن فاته ذلك ، قام الوقوف بجميع الحرم مقامه ، واتّفق الفقهاء على أنّ الحجّ لا يحصل إلّا بالوقوف بعرفة.
قوله : (عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ) فيه وجهان :
أحدهما : أن يتعلّق ب «اذكروا».
والثاني : أن يتعلّق بمحذوف على أنه حال من فاعل «اذكروا» أي : اذكروه كائنين عند المشعر.
والمشعر : المعلم من الشّعار وهو العلامة ؛ لأنّه من معالم الحجّ ، وأصله من قولك : شعرت بالشّيء إذا علمته ، وليت شعري ما فعل فلان ، أي : ليت بلغه وأحاط به ، وشعار الشّيء علامته ، واختلفوا :
فقال بعضهم : هو المزدلفة ، لأن الصّلاة والمقام والمبيت بها ، والدّعاء عنده ، قاله الواحدي في البسيط (٢).
وقال الزّمخشري : الأصحّ أنه قزح وهو آخر المزدلفة.
وقال ابن الخطيب (٣) ـ رحمهالله تعالى ـ : والأول أقرب ؛ لأنّ الفاء في قوله : (فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ) تدلّ على أنّ الذّكر عند المشعر الحرام يحصل عقيب الإفاضة من عرفات ، وما ذاك إلّا البيتوتة بالمزدلفة.
فصل
قوله : (فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ) يدلّ على أن الحصول عند المشعر الحرام واجب ، ويكفي فيه المرور به ، كما في عرفة ، فأمّا الوقوف هناك فمسنون.
وروي عن علقمة والنّخعي ؛ أنّهما قالا : الوقوف بالمزدلفة ركن بمنزلة الوقوف
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١٥١.
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١٥٢.
(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١٥٢.