بعرفة ، لقوله تعالى : (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ) ، فإذا قلنا : بأن الوقوف بعرفة ركن وليس ذكره صريحا في الكتاب ، وإنّما وجب بإشارة الآية الكريمة أو بالسّنّة ـ فالمشعر الحرام فيه أمر جزم.
وقال جمهور الفقهاء : ليس بركن ؛ لقوله ـ عليهالسلام ـ : «الحجّ عرفة ، فمن وقف بعرفة ، فقد تم حجّه» وقوله «من أدرك عرفة فقد أدرك الحجّ ، ومن فاته عرفة فقد فاته الحجّ» (١) ، وأيضا فقوله تعالى : (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ) أمر بالذّكر لا بالوقوف فالوقوف بالمشعر الحرام يقع للذّكر ، وليس بأصل ، وأمّا الوقوف بعرفة فهو أصل ؛ لأنه قال : (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ) ولم يقل عند الذكر بعرفات.
فصل
اختلفوا في الذّكر المأمور به عند المشعر الحرام.
فقال بعضهم (٢) : هو الجمع بين صلاتي المغرب والعشاء ، والصّلاة تسمّى ذكرا ؛ قال تعالى : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) [طه : ١٤] ، وأيضا فإنه أمر بالذّكر هناك ، والأمر للوجوب ، ولا ذكر هناك يجب إلّا هذا.
وقال الجمهور : هو ذكر الله بالتّسبيح والتّحميد والتّهليل.
قال ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ : كان النّاس إذا أدركوا هذه اللّيلة لا ينامون (٣).
قوله : (كَما هَداكُمْ) فيه خمسة أقوال :
أحدها : أن تكون «الكاف» في محلّ نصب نعتا لمصدر محذوف.
والثاني : أن تكون في محلّ نصب على الحال من ضمير المصدر المقدّر ، وهو مذهب سيبويه.
والثالث : أن يكون في محلّ نصب على الحال من فاعل «اذكروا» تقديره : مشبهين لكم حين هداكم ، قال أبو البقاء (٤) : «ولا بدّ من حذف مضاف ؛ لأنّ الجثّة لا تشبه الحدث».
ومثله : «كذكركم آباءكم» الكاف نعت لمصدر محذوف.
__________________
(١) أخرجه الترمذي (٨٨٩) وأبو داود (١٩٤٩) والنسائي (٥ / ٢٦٤ ـ ٢٦٥) وابن ماجه (٣٠١٥) وأحمد (٤ / ٣٠٩ ـ ٣١٠) والبيهقي (٥ / ١١٦) وابن حبان (١٠٠٩ ـ زوائده) وابن خزيمة (٢٨٢٢) والحميدي (٢ / ٣٩٩) رقم (٨٩٩) والدارقطني (٢ / ٢٤١ ـ ٢٤٢) والطحاوي (٢ / ٢٠٩) والطيالسي (١ / ٢٢٠) رقم (١٠٥٦) والدارمي (٢ / ٥٩) والحاكم (٢ / ٢٧٨) وصححه وسكت عنه الذهبي.
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١٥٢.
(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١٥٢.
(٤) ينظر : الإملاء ١ / ٨٧.