اللّباب في علوم الكتاب [ ج ٣ ]

قائمة الکتاب

البحث

البحث في اللّباب في علوم الكتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
إضاءة الخلفية
200%100%50%
بسم الله الرحمن الرحيم
عرض الکتاب

بعدها للفرق بينها وبين النافية ، وجاز دخول «إن» على الفعل ؛ لأنه ناسخ ، وهل هذه اللام لام الابتداء التي كانت تصحب «إنّ» ، أو لام أخرى غيرها ؛ اجتلبت للفرق؟ قولان هذا رأي البصريّين.

وأمّا الكوفيون فعندهم فيها خلاف : فزعم الفرّاء أنها بمعنى «إن» النافية ، واللام بمعنى «إلّا» ، أي : ما كنتم من قبله إلّا من الضالّين ، ومذهب الكسائيّ التفصيل : بين أن تدخل على جملة فعليّة ، فتكون «إن» بمعنى «قد» ، واللّام زائدة للتوكيد ؛ كقوله : (وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ) [الشعراء : ١٨٦] ، وبين أن تدخل على جملة اسميّة ، كقوله : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) [الطارق : ٤] ؛ فتكون كقول الفرّاء.

و «من قبله» متعلّق بمحذوف يدلّ عليه «لمن الضّالّين» ، تقديره : كنتم من قبله ضالّين لمن الضّالّين ، ولا يتعلّق بالضالّين بعده ؛ لأنّ ما بعد «أل» الموصولة ، لا يعمل فيما قبلها ، إلا على رأي من يتوسّع في الظرف ، والهاء في «قبله» عائدة على «الهدى» المفهوم من قوله «كما هداكم».

وقيل : تعود إلى القرآن ، والتقدير : واذكروه كما هداكم ، بكتابه الذي بيّن لكم معالم دينه ، وإن كنتم من قبل إنزاله عليكم من الضّالّين.

وقيل : إلى الرّسول.

قوله تعالى : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(١٩٩)

استشكل الناس مجي «ثمّ» هنا ؛ من حيث إنّ الإفاضة الثانية هي الإفاضة الأولى ؛ لأنّ قريشا كانت تقف بمزدلفة ، وسائر الناس بعرفة ، فأمروا أن يفيضوا من عرفة كسائر الناس ، فكيف يجاء ب «ثمّ» التي تقتضي الترتيب والتراخي؟ والجواب من وجوه :

أحدها : أنّ الترتيب في الذّكر ، لا في الزمان الواقع فيه الأفعال ، وحسّن ذلك ؛ أن الإفاضة الأولى غير مأمور بها ، إنما المأمور به ذكر الله ، إذا فعلت الإفاضة.

ثانيها : أن تكون هذه الجملة معطوفة على قوله : (وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ) ففي الكلام تقديم وتأخير ، وهو بعيد.

ثالثها : أن تكون «ثمّ» بمعنى الواو ، قال بعض النّحاة : فهي لعطف كلام منقطع من الأول.

قال بعضهم : وهي نظير قوله تعالى : (وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ) [البلد : ١٢ ، ١٣] إلى قوله : (ثُمَّ كانَ) [البلد : ١٧] ، أي : كان مع هذا من المؤمنين ، وفائدة «ثمّ» ههنا : تأخّر أحد الخبرين عن الآخر ، لا تأخّر المخبر عنه [عن ذلك المخبر عنه].

رابعها : أن الإفاضة الثانية هي من جمع إلى منى ، والمخاطبون بها جميع الناس ،